بيئة الاستثمار في المدينة المنورة
أعلن الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة، حزمة من البرامج التي تهدف إلى خدمة الاستثمار في المدينة المنورة، ففي ربيع الآخر 1435 دشن الأمير المنتدى الاستثماري للمنطقة، وكوّن مجلساً استثمارياً للمنطقة، كما أعلن إنشاء شركة "نماء المنورة" التي ستطلق حزمة من المبادرات والبرامج لمشروع "صُنع في المدينة" ولدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما أنه وفي 21 رجب الماضي استقبل فريقا من البنك الدولي لدراسة بيئة الاستثمار في منطقة المدينة المنورة، وتقديم توصيات لتحفيز الاستثمار. هذه المبادرات النوعية رائعة، وأتمنى أن تكون لها آثار طيبة على بيئة الاستثمار في المدينة، لكنني أعتقد أن هناك أمورا أساسية ينبغي العناية بها لإحداث نقلة نوعية فعلية في بيئة الاستثمار في المدينة المنورة.
أحب أن أنوه في البداية إلى أن المدينة المنورة تتمتع بميزة تنافسية تستند فيها إلى تاريخها العريق وحب المسلمين لهذه البقعة الطاهرة ووجود مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والآثار النبوية والتاريخية العريقة، ولذلك فإن أي عملية جادة لتهيئة بيئة المدينة المنورة للاستثمار سيكون صداها أكبر ونفعها أكثر. سأركز في هذا المقال على ثلاثة أمور أعتقد أنها مؤثرة ومهمة للبيئة الاستثمارية في المدينة المنورة.
الأمر الأول الذي ينبغي التركيز عليه هو التعليم العام والجامعي. لا يحرك ويجلب الاستثمارات شيء مثل القدرات البشرية المؤهلة والقادرة على تقديم إضافة تنافسية للسوق. الموارد البشرية المؤهلة بالاستقلالية في التفكير والمبادرة والقدرة على نقد الواقع وإيجاد حل لمشكلاته تُغري رجال الأعمال والمستثمرين، بل تساهم في تحفيز رواد ورائدات أعمال لبدء أعمالهم في المدينة المنورة. أشار عدد من الأبحاث إلى أن تحسين البيئة والمخرجات التعليمية شرط لتحسين البيئة الاستثمارية.
في هذا السياق، أطلق الأمير فيصل بن سلمان مبادرة الاستثمار في التعليم الأهلي لتشجيع مشاركة القطاع الخاص بالتعليم في المنطقة. لكنني- كابن من أبناء المدينة- أريد أن ألفت عناية الأمير فيصل إلى أن التعليم العام الحكومي يحتاج إلى مبادرات وبرامج أخرى جادة. فمشكلة مثل المدارس المستأجرة التي تمثل ما يزيد على 40 في المائة من مدارس المنطقة، والمعلمين غير المؤهلين وغيرهما من مشكلات التعليم العام تحتاج إلى وقفات جادة ومبادرات ملهمة.
الأمر الثاني الذي تحتاج إليه المدينة المنورة لتحسين بيئة الاستثمار هو تحسين أداء وكفاءة الأمانة والبلديات. تحتاج بلديات المدينة المنورة كغيرها من المناطق إلى العمل الاحترافي البعيد عن الشخصنة، وإلى تقديم المصلحة الكبرى بعيداً عن المصالح الشخصية والدونية، كما تحتاج إلى تدعيم عملها بقوانين وأنظمة حديثة تراعي ظروف المدينة المنورة والمستجدات العصرية.
لكي تصبح المدينة المنورة مركزاً للتوزيع والإنتاج مثلاً، تحتاج إلى تحسين وتنويع في طرق المواصلات، وتحسين الخدمات اللوجستية والبيئية، تهيئة وتطوير أماكن للتخزين والتصنيع والإنتاج، وهذه كلها من أبرز مهام البلديات. كما أنه من الملاحظ أن مشاريع تحسين أو توسيع الطرق- على سبيل المثال- قد تستمر أشهرا طويلة، ويتضرر من ذلك أصحاب المحال التجارية، كما حدث في مشروع تحسين شارع محمد عبد العزيز "التحلية"، حيث اضطرت بعض المحال إلى الإغلاق، لذلك مراعاة مصالح أصحاب هذه المشاريع عند إقرار هذه المشاريع مهم.
الأمر الثالث الذي تحتاج إليه المدينة المنورة لتحسين بيئة الاستثمار هو تنظيم سوق العقار. يفتقر سوق العقار في المدينة المنورة إلى الكثير من المقومات التنظيمية، وأسهم ذلك في انتشار المضاربات العقارية، وارتفاع الأسعار لأكثر من 150 في المائة منذ صدور أمر توسعة المسجد النبوي. تحتاج السوق العقارية إلى مصدر للمعلومة المؤكدة من خلال مركز يتبع الإمارة أو الأمانة، وإلى تنظيم يمنع الوسطاء والمضاربين من التداول إلا بموجب ترخيص معين من وزارة التجارة أو الغرفة التجارية، حيث يمنح هذا الترخيص الحق في مزاولة مهنة الوساطة لمن تتوافر فيه الشروط المناسبة.
في حديث ماتع عن بيئة الاستثمار في المدينة المنورة، شبّه الدكتور ريان حماد مدير الاستثمار في جامعة طيبة، الاستثمار بالتفاعل الكيماوي الذي يحتاج إلى مواد معينة بنسب مخصصة وبيئة مهيأة؛ حتى تستطيع أن تعمل معا، وتخرج لنا النتائج المرغوبة.
إنني لا أزعم هنا أن مشكلات البيئة الاستثمارية تنحصر فيما ذكر سابقاً، لكنني أؤمن بنظرية "بريتو" الداعية إلى التركيز على الـ 20 في المائة من الموارد المسؤولة عن 80 في المائة من المشكلات. وأعتقد أن السعي إلى إصلاح التعليم وتحسين عمل البلديات وتنظيم سوق العقار ستحل أكثر من 80 في المائة من مشكلات البيئة الاستثمارية في المدينة المنورة.