Author

العنف السياسي .. 3 عوامل رئيسة

|
العنف السياسي ظاهرة اجتماعية متعددة الأشكال. لكن معظمها يرجع إلى واحد من ثلاثة عوامل: أ) عامل سيكولوجي يظهر خصوصا عند الشباب الذين يعيشون المرحلة الانتقالية بين المراهقة والرجولة. وهي مرحلة يسودها ميل شديد لاكتشاف الذات وتحقيق الذات. فشل الشباب في تحقيق ذواتهم ضمن إطارات سليمة في البيئة المحيطة، يجعلهم عرضة للانزلاق في سلوكيات متوترة، تتمظهر في صورة عنف سياسي أو إجرامي. ب) عامل اجتماعي - اقتصادي يتلخص في عجز الفرد عن التكيف مع ظروف المعيشة المتغيرة، مما يعزز ميله لمنازعة المجتمع الذي يحمله مسؤولية إخفاقه في مجاراة الآخرين. ويظهر هذا العامل بصورة أجلى بين المهاجرين الجدد من الريف إلى المدينة، أو الذين يعيشون في بيئات فقيرة نسبيا، على حواشي المدن غالبا. ج) عامل ديني - سياسي يتمثل في شعور الفرد بأن هويته تواجه تهديدا جديا من جانب أطراف قوية. أكثر الشباب عرضة لهذا العامل هم الملتزمون بحضور الاجتماعات الدينية التي يكثر فيها الحديث عن التهديد الغربي والمؤامرة الدولية على الإسلام. تتفاعل هذه العوامل فيما بينها بشكل وثيق. فالذين يواجهون عسرا اقتصاديا - اجتماعيا "العامل ب" يميلون إلى تصديق الدعاوى القائلة بتباعد المجتمع عن الإسلام، ويرون في مظاهر الحياة الحديثة دليلا على ذلك. وهذا الميل يقودهم إلى تقبل فكرة التهديد الخارجي للهوية "العامل ج". كما أن الشباب الذين يواجهون عسرا في المعيشة، يشعرون أكثر من غيرهم بالعجز عن تحقيق غاياتهم وذواتهم "العامل أ". بشكل عام يمكن القول إن المتأثرين بالعامل الأول أصغر سنا من مجموعة العامل الثاني، وهؤلاء بدورهم أصغر سنا من المجموعة الثالثة. الغرض من هذا الكلام هو دعوة المهتمين إلى البحث عن تفسيرات علمية لظاهرة الإرهاب، وعدم الاكتفاء برجمه أو إرجاعه إلى عامل واحد. والمنطق نفسه، فإن المعالجة الناجحة للظاهرة تتوقف على تشخيص العامل الأكثر تأثيرا في الفرد أو المجموعة المستهدفة. هذا يحتاج بطبيعة الحال إلى بحوث علمية كثيرة في حقول متعددة. خلال السنوات الخمس التي تلت الهجوم على نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2001 نشر في الولايات المتحدة نحو 11 ألف كتاب تحاول تفسير ظاهرة الإرهاب وسبل معالجتها. أما في المملكة فلا أعرف إلا عددا قليلا من الكتب حول الموضوع، ولعل ما نشر منذ الهجوم الإرهابي في 1995 حتى اليوم لا يصل إلى 100 كتاب متخصص. هناك بالتأكيد فارق كبير بين البيئة العلمية في أمريكا ونظيرتها في السعودية. لكن غرضي هو تنبيه المعنيين إلى ما أظنه قلة اكتراث بدراسة الظواهر الأكثر حرجا في حياتنا. وفي هذا المجال لا تجد فرقا يذكر بين القطاعين الأكاديمي والرسمي. العنف السياسي ظاهرة معقدة ومتغيرة الملامح، يستحيل فهمها ما لم تتحول إلى مادة جذابة للبحث العلمي.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها