مخاض التوطين

في الوقت الذي أكدت فيه مصلحة الإحصاءات العامة أن معدل البطالة في السعودية وصل إلى 11.7 في المائة بنهاية عام 2013، بينما غرفة الرياض أعلنت أنها طرحت خلال النصف الأول من عام 2014 نحو 11751 وظيفة لم يتقدم لها من الجنسين إلا 1760 مواطنا، فأين مكمن الخلل؟ وما دور وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية والتأمينات الاجتماعية؟
وزارة العمل وهدف يعملان بكامل طاقتيهما لتدارك أزمة البطالة والتخفيف من آثارها المرحلية والمستقبلية، وبحسب المتوقع من برامج نطاقات وطاقات والرسوم الجديدة 2400 ريال ونطاقات الأجور والتأمين ضد التعطل .. إلخ، كلها المفترض أن تساعد على تسريع عملية الإحلال وتشجيع رجال الأعمال على السعودة والضغط على بعض الفئات للقبول بالتوجه الحكومي الإلزامي للسعودة، مع وضع قائمة من المحفزات لرجال الأعمال لتبني توظيف وتدريب الشباب السعوديين، وكذلك تحفيز الشباب للقبول بالموجود بعد محاولات مضنية لتحسين دخل هذه الوظائف ومميزاتها.
وفي تصريح لمحافظ التأمينات حول عدم وجود حل جذري للقضاء على السعودة الوهمية، بينما يمكن تقليصها وأنه لا توجد لديهم أرقام بأعداد المخالفين، ولا بأس بهذا التصريح، لكن السؤال: ما البرامج التي أعدتها التأمينات منذ عقود حتى الآن لتقليص السعودة الوهمية، وكذلك رصد أعداد المخالفين وسن قوانين وإجراءات جزائية رادعة؟
إذا طرحت الوظائف المتوافرة وغلفت بمزايا أفضل مما سبق من مراحل خاملة، وأجبر التاجر والشاب على قبول الموجود بقوة النظام وبمحفزات مادية ومعنوية، إلا أن المشهد لا يزال ضبابيا، لوجود إحصاءات تصدر من جهات مختلفة بأرقام متفاوتة، أيضاً تصريحات غرفة الرياض توحي بوجود مشكلة لدى الشاب السعودي في تقبل الوظائف أو وجود بديل أفضل، بينما تصريحات محافظ التأمينات تعيد الكرة لملعب رجال الأعمال واستمرار مسلسل السعودة الوهمية والوظائف المتدنية، بينما ينعم الكثير من غير السعوديين بوظائف يتمناها الشاب السعودي من حيث النوع والدخل.
نجاح خطط السعودة ليس مجرد تناقص في أرقام البطالة أو طرح وظائف بأرقام كبيرة نسبيا، سواءً من الجهات الحكومية أو الخاصة، ولكن نجاح خطط السعودة هو رفع مستوى الدخل الشهري العائد من التوظيف، وهذا يحتاج إلى طرف ثالث محايد يقوم بدراسة للسوق السعودية والعرض والطلب الحقيقيين ومستوى الرواتب مقابل التضخم ومقارنة النتائج بالدول المقاربة لنا اقتصاديا واجتماعيا.
أعتقد أننا نمر بمرحلة مخاض حقيقي للسعودة، وسنشهد خلال أعوام قليلة قادمة رؤية واضحة لمستقبل التوطين والإحلال النافع ومصير السعودة الوهمية، ونتمنى أن تثمر جهود الجميع في دفع عجلة تنمية الموارد البشرية إلى الأمام، ولكن على جميع الأطراف تقديم تنازلات ابتداءً من رجال الأعمال بمقابلة البطالة برغبة حقيقية لتوظيف الشباب، وعلى الجهات الرسمية تلافي سياسة العصا الغليظة دون وجود جزرة مشبعة، وعلى الشاب السعودي أن يحرص على تنمية قدراته ومواهبه بعد إتمام المراحل التعليمية لإقناع رجال الأعمال بأنه مستقبل القطاع الخاص. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي