Author

الملك في مصر

|
مخطئ مَن يظن أن وقوف السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، مع الشقيقة الكبرى مصر، موقف عاطفي أو وليد اللحظة. السياسة لا تُدار بالعواطف ولا بالمصالح الآنية. الموقف القوي الذي اتخذته الرياض سببه مصالح استراتيجية تربط البلدين، فالفوضى التي اجتاحت مصر ما بين ثورتَي 25 يناير و30 يونيو، كانت مرشحة وبقوة لأن تنتقل إلى الدول المجاورة، ومن ضمنها السعودية، لذا منذ ثورة 30 يونيو قامت الرياض بجملة من المواقف التاريخية، صنعت الفارق في استعادة مصر توازنها بعد أن كادت تنزلق لمستقبل مظلم، الله وحده يعلم متى ينجلي، ولعل آخرها زيارة الملك الاستثنائية أمس الأول لمصر. يمكن القول إن أربعة مواقف سعودية تاريخية لا يمكن للتاريخ طيها: الأول، رفض الملك عبد الله بعد أحداث 30 يونيو التدخل الدولي في الشأن الداخلي المصري، وما تبعه من قيام الأمير سعود الفيصل، بزيارة عاجلة لفرنسا ضمن جولته الأوروبية لدعم مصر. الموقف الثاني، جاء عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية 2014، حيث كان الملك عبد الله أول المهنئين للشعب المصري، وقام بإرسال رسالة أوضح فيها أن المساس بأمن مصر هو مساس بالسعودية، كما دعا الملك إلى عقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها على تجاوز أزمتها الاقتصادية. والموقف الثالث، هو مشاركة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز، في حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا. أما الموقف الرابع، فهو الزيارة غير المسبوقة لخادم الحرمين لمصر ولقاؤه مع الرئيس السيسي على متن الطائرة. ولأن الصورة تغني عن ألف كلمة، فإن الصورة التي بدا فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي يقبِّل رأس ضيفه خادم الحرمين، خلال الزيارة الاستثنائية التي قام بها العاهل السعودي للقاهرة، تختصر آلاف الكلمات التي يمكن أن تقال عن العلاقة التي تربط بين البلدين، فقبلة السيسي لم تكن على رأس الملك فقط، بل كانت على جبين السعودية بأكملها، فمصر عاشت لحظات مفصلية في تاريخها الحديث، كان يمكن أن تستمر فيها الفوضى، أو تتطور لما هو أسوأ، وهو ما بدا واضحاً في انعكاسه على الوضع الأمني أولاً، والاقتصادي ثانياً، ما أزَّم الحالة المعيشية لملايين المصريين خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، لأسباب عدة لعل أهمها عدم وجود التوافق المجتمعي والسياسي داخل البلاد، فانخفض التصنيف الائتماني إلى CCC، وهي نفس مكانة قبرص وأعلى من اليونان (التي أعلنت إفلاسها) بدرجة واحدة، إضافة إلى ارتفاع مؤشرات البطالة لتصل إلى 13.5 في المائة بعد أن كانت في حدود 11.5 في المائة، وزادت سوق البطالة بنحو 1.1 مليون شاب عاطل في سن العمل خلال عام واحد، ناهيك عن ارتفاع معدلات الفقر في رئاسة محمد مرسي، وفق دراسة أعدها مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، لتصل إلى 25.5 في المائة عام 2013 بعد أن سجلت المؤشرات الرسمية أن معدل الفقر في مصر 23.5 في المائة خلال عام. عندما ثارت الجماهير المصرية على الرئيس الأسبق حسني مبارك، تكهن البعض بأن الدعم السعودي سيتوقف ظناً خاطئاً بأن الرياض تدعم أشخاصا بعينهم، فلما قدم محمد مرسي، واصلت السعودية دعمها لمصر الدولة، وعندما انتخب المصريون السيسي رئيساً، لم تتوقف السعودية أيضاً عن دعمها، بل إن ما تقدمه من دعم سياسي واقتصادي غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين، كل هذا يؤكد أن الرياض دائماً وأبداً تضع مصلحة الشعب المصري فوق كل اعتبار، وهنا تبدو الصورة واضحة جداً، ففي الوقت نفسه الذي لا تدعم السعودية أشخاصا، بل إن دعمها يتم من منظور عقلاني، إلا أنه من حسن الطالع في حالة الملك عبد الله والرئيس السيسي وُفِّقَ البلدان في أن يكونا على رأس الدولة قامات بهذه الحنكة السياسية. عندما تضعف مصر وتنكفئ عن دورها القيادي، فإن المنطقة كلها تتضرر. وفيما بعض الدول تسعى لأن تقزم مصر وتقف على أكتافها وتأخذ دورها، تصر السعودية أن تساعد مصر على أزمتها، وتستعيد أرض الكنانة موقفها القيادي في المنطقة. عظيمة أنت يالسعودية.
إنشرها