Author

الطموحات.. في تطوير التعليم العام

|
جاءت كلمة الأمير خالد الفيصل، وزير التربية والتعليم الأخيرة التي ألقاها بمناسبة صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على برنامج العمل التنفيذي لدعم تحقيق أهداف مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام، وتخصيص مبلغ 80 مليارا لتحقيق تلك الأهداف، متناغمة مع أهداف الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام في المملكة، وتحاكيها بشكل مباشر وصريح، باعتبارها رسمت مساراً ونهجاً تعليمياً، سيعمل - بإذن الله - على المحافظة على أبناء الوطن، الذين يمثلون المستقبل الحقيقي لبلادنا، من خلال توفير التعليم الجيد لهم، وبما يكفل تأهيلهم فكريا وعلميا للمساهمة الفاعلة في بناء الوطن. خالد الفيصل من خلال كلمته، عكس طموحاته الكبيرة والعريضة جداً المرتبطة بتطوير التعليم العام في بلادنا، بتأكيده أن الحاجة إلى تطوير التعليم العام أصبحت ملحة وفي جوانب عدة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الجوانب المتعلقة بالعملية التعليمية، التي منها البيئة المدرسية والحاجة إلى تطوير مستويات المعلمين والطلاب، والعناية برياض الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والموهوبين وتطوير البيئة التقنية ودمج التقنية في التعليم. هذا الطموح في التطوير الذي تحدث عنه خالد الفيصل، يتطلب إيجاد منظومة متكاملة ومتطورة لحلقات التعليم ومراحلها المختلفة، فمثلاً التغلب على مشكلة المدارس المستأجرة وإحلالها بمدارس مملوكة لوزارة التربية والتعليم، قد لا يكفي وحده دون العمل على إيجاد المادة والمنهج العلمي المناسب بما في ذلك المعلم، القادر على النهوض بمستوى التعليم في بلادنا، ونقله من مرحلة التلقين إلى مرحلة المعرفة والإبداع والإبتكار والتفكير. من هذا المنطلق ولتحقيق الأهداف السامية والنبيلة لمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام، تم تخصيص مبلغ 80 مليار ريال، وتضمن البرنامج العديد من المبادرات الطموحة، التي تحدث عنها خالد الفيصل في كلمته، التي من بين أهمها على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة التأهيل النوعي للمعلمين، باعتماد خمسة مليارات ريال للسنوات الخمس المقبلة، للصرف على ابتعاث نحو 20 ألف معلم ومعلمة للخارج للتدريب في مدارس الدول المتقدمة، بهدف التعرف على أفضل الممارسات الحديثة في التعليم العام في برامج تمتد لمدة عام. ومن بين المبادرات المهمة كذلك، ربط المدارس بالإنترنت والتعليم الإلكتروني باعتماد 1200 مليون ريال على مدى خمس سنوات للبنية الأساسية، والتي تشمل إعداد الشبكات الداخلية للمدارس، والربط بالإنترنت بسعات عالية لجميع المدارس بشكل كبير لتلبية متطلبات التعليم الإلكتروني. ومن بين المبادرات المهمة أيضاً، تخصيص مبلغ 1190 مليون ريال سنوياً للمعامل والفصول الذكية والتشغيل والصيانة، وأخيرا وليس آخراً، تخصيص مبلغ 42,500 مليون ريال لمشاريع المباني المدرسية لمدة خمس سنوات. دون أدنى شك طموحات الأمير خالد الفيصل، ستعمل على إحداث نقلة نوعية غير مسبوقة في التعليم العام في بلادنا، ولكن الأهم من هذا وذاك أن تجد تلك الطموحات طريقها للتنفيذ بأسلوب ومنهجية مدروسة تكفل تحقيقها بما يحقق طموحات القيادة الرشيدة في المملكة ثم طموحات خالد الفيصل والطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات بما في ذلك أولياء الأمور واحتياجات الاقتصاد الوطني والتنمية. ولعلي هنا أتفق تماماً مع الكاتب عبد الرحمن الراشد وبالتحديد مع ما ورد في مقاله بعنوان: "نريد تطوير التعليم لا تجميله"، في صحيفة "الشرق الأوسط" في العدد 12969، أن التعليم هو أساس مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز النهضوي، والذي اهتم به أكثر من أي قطاع آخر، وبالتالي لا عذر ولا مجال للتقاعس أو التعثر. وأتفق معه أيضاً في المطالبة بالكثير من الإيضاح حول ماهية المشروع الجديد وتفاصيله، وكيف يمكن نقل التعليم من حالته العادية ليغير واقع البلاد ومستقبلها إلى الأفضل؟ ولا سيما أن المخصصات التي اعتمدت لا تبدو أنها تحظى بالأولوية المرجوة، حيث إن العشرات من المليارات في الماضي أنفقت وذهبت في بناء المدارس وتجهيزها لكنها لم تنجح في تخريج طلاب وطالبات من التعليم العام قادرين على مواكبة متطلبات العملية التنموية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي التي تعيشها المملكة. وما لفت الانتباه أيضاً أن مشاريع المباني المدرسية حظيت في مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم بنصيب الأسد من إجمالي الإنفاق بنحو 57,750 مليون ريال أو ما يقارب 72 في المائة من إجمالي المبلغ المخصص لمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعلم العام، ليشمل ذلك تكاليف بناء ما يقارب 3200 مدرسة، ونزع ملكيات، وتأهيل وترميم مبان قائمة، وتجهيزات مدرسية، وصيانة وتشغيل، وهذا التخصيص قد لا يخدم الهدف المرجو من تطوير العملية التعليمة، باعتبار، وفقما ما أشار إليه عبد الرحمن الراشد في مقاله المذكور، أن المزيد من بناء المباني المدرسية الحديثة والمشاريع العقارية قد لا يحل مشكلة التعليم العام في بلادنا، مؤكداً أن أعظم المدارس في العالم ليست مباني فخمة، وأهم الجامعات في العالم مبانيها أقل من جامعاتنا من ذوات فنادق الخمسة نجوم، فالتعليم محتوى نوعي وليس كميا وتجميليا، إذ كان من الأجدر والأنسب تخصيص معظم الإنفاق على التعليم الإلكتروني (المدمج) وتجهيز الفصول بتقنيات الفصول الذكية ومد الشبكات والتي لم يخصص لها سوى الجزء اليسير من الإنفاق بما لا يتجاوز 3 في المائة، وهذا ما طالب به عبد الرحمن الراشد بإلحاح وأنا أتفق معه، باعتباره سيوفر علينا بناء المدارس، وإعادة توجيه تكاليف البناء إلى أوجه إنفاق قد تكون أجدر وأهم لتطوير العملية التعليمية في بلادنا.
إنشرها