الاستخلاف .. أو دائرة المسؤولية المشتركة

خلال قيام "شركة الغد" باستفتائها الذي شمل العديد من الرؤساء التنفيذيين لشركات مدرجة في السوق المالية، كان الكثير منهم معجبا بفكرة الاستخلاف والاستقرار الذي تجلبه للشركة وأثره على استمراريتها. ولكن الأغلبية اتفقت على أن الاستخلاف وإن كان له تأثير إيجابي في مستوى أداء الشركة وقيمتها السوقية، إلا أنهم أبدوا الكثير من التحفظ على التطبيق، وذلك يعود إلى عقبتين رئيستين وهما: ضغوط من قبل ملاك الأسهم لزيادة الأرباح الفصلية، والضغط المتزايد لارتفاع أسهم الشركة في السوق المالية. وفي إطار هذا السياق، نذكر جيدا أن العديد من الفضائح الكبرى على مستوى الشركات كان وراءها هذان العاملان الرئيسان، فشركة إينرون على سبيل المثال، كانت ضحية الاستجابة لضغوط من قبل الملاك، وكاستجابة لها قامت الإدارات بإصدار الوعود لتحقيق أهداف تشغيلية غير معقولة.
إن الاستخلاف يمكن أن يعرف بأشكال عدة، إلا أننا في هذا الإطار نذكر التعريف المقدم من شركة الغد، وهو" الإدارة المسؤولة والفعالة لموارد منظمة ما على المدى القريب والبعيد، وانتقاله إلى الجيل القادم بقيمة أعلى". ومن هذا التعريف نستشف أن دور أعضاء مجالس الإدارات هو دور "المؤتمن المسؤول". في المقابل، لا يقتصر دور ملاك الأسهم على تقديم رأس المال وحسب، بل المشارك في حماية قيمة الشركة وزيادتها على المدى الطويل، وبذلك تصبح مسؤولية مشتركة بين أعضاء مجلس الإدارة والملاك.
والتعريف أعلاه يشمل أي شخص مستأمن على ثروة وأصول شخص أو أشخاص آخرين، فإدارة الشركات مؤتمنة على أصول الشركات التي تتولى إدارتها، وكذلك رواد الأعمال مستأمنون على الأموال التي يقترضونها من المستثمرين، وشركات التأمين والصناديق المالية مستأمنة على الأموال المقدمة من قبل المستثمرين فيها.
ولتوضيح هذا الدور بشكل أكبر، في عام 1860 بدأت جامستي تاتا، المؤسس لمجموعة تاتا، ببناء مصنع للغزل والنسيج. وفي عام 1886 قامت بإنشاء الصندوق التقاعدي للموظفين. كما بدأت الشركة لاحقا بدفع تعويضات عن الحوادث عام 1895. وقام بعدها جامستي بالعمل على طرح الشركة لتصبح شركة مساهمة، إلا أن قصور الأداء التشغيلي للشركة والتباطؤ الاقتصادي اللذين كانت تمر بهما البلاد آنذاك، أديا إلى عدم استمرار الشركة على مستوى الأداء نفسه. لذا قام تاتا بتقديم طلب للحصول على تمويل من أحد المصارف آنذاك، مع تقديم صندوق العائلة لضمان التمويل، علما بأن تاتا نفسه كان يضع الأرباح الشخصية له في هذا الصندوق، إلا أن المصارف رفضت طلبه، فقام تاتا بضخ الأموال الشخصية، وبدأ مصنعه الثاني للنسيج. ولنقارن هذا المثال بممارسة الإدارات الحالية التي لا تجد حرجا في إهدار الأموال العامة على حساب حماية مصالحها ومدخراتها الشخصية.
ولا عجب في أن رئيس مجلس إدارة شركة تاتا الحالية الذي يمثل الجيل الثالث من المديرين تحدث واصفا غرض الشركة قائلاً "المنشأة الحرة هي التي تعتبر مجتمعها ليس فقط أحد أصحاب المصالح، بل هو الغرض من إنشائها". وهو ما يتحدث عنه مختصو الاستدامة اليوم بأنه تبنى الاستدامة كفكر ضمن صميم عمل الشركة، ودمج استراتيجيتها ضمن الاستراتيجية التشغيلية، فتصبح الاستدامة مدمجة في كل الأقسام. فالموارد البشرية تعمل جاهدة على جذب وإبقاء أفضل الكوادر، وتصميم بيئة عمل منافسة وعلى الخطط التحفيزية من أجل إبقائها. والقسم المالي يقوم بعمله الذي يهدف إلى الوصول إلى أعلى مستوى من الإفصاح والشفافية لنقل صورة واضحة لجميع المستثمرين على اختلاف ملكيتهم في الشركة. والأقسام التشغيلية تأخذ بعين الاعتبار سلامة الموظفين، إدارة العلاقات بمستوى أكثر فعالية، وهكذا، لتتحول الاستدامة من فكرة وليدة اللحظة إلى ثقافة يومية للشركة من أبرز موجهات ودوافع نجاحها.
خلاصة القول إن مجالس الإدارات المعنية متى ما توافقت توجهاتها مع المستثمرين في الشركة، فإن الشركة ستمضي في تحقيق الغرض من وجودها. ولن يتحقق ذلك إلا بوجود مستثمرين طويلي الأمد لصنع القيمة المضافة للشركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي