رحم الله معالي الدكتور الخويطر
رحل عنا رجل من رجالات الدولة ورائد من رواد الإدارة والمعرفة التاريخية، عرف ــ رحمه الله ــ بهدوئه وفطنته وخبرته المعمقة ورأيه الصريح ولطفه المتناهي. أسهم ــ رحمه الله ــ في العمل الإداري بدءا من تأسيس جامعة الملك سعود وانتهاء بوزارة المعارف. وكانت إدارته معروفة بالهدوء والتؤدة وعدم الاستعجال في التغيير، وإعطاء الأمر وقتا أكثر. عطاؤه المعرفي في الدراسات التاريخية اتسم بالعمق والتركيز على التخصص، من خلال رسالته العلمية للدكتوراه عن الظاهر بيبرس السلطان المملوكي، وهي أول دكتوراه سعودية في التاريخ. كانت له ــ رحمه الله ــ إسهامات عديدة في مجال التاريخ والتراث، ويعد من أوائل من انتبه لربط الأجيال المعاصرة بتراثها من خلال كتابه المعروف (أي بني)، الذي اتسم بالجاذبية ومخاطبة الجيل بأسلوب يستسيغه، واستطاع إيضاح التراث لفئات الشباب وتحبيبه إليهم بصياغته الرائعة التي لا تتضمن نقدا لهم أو مقارنتهم بمن سبقهم، بقصد إشعارهم بأنهم ليسوا في مستواهم. وعزز إنتاجه بإسهام آخر عندما نشر مجلدات سيرته اليومية من خلال ذاكرته ومفكرته، اشتملت على كل شيء بقصد ترك القرار للمستفيد والقارئ، لأخذ ما يريد دون تحسين أو تغيير في الأسلوب. فهذا هو الخويطر ــ رحمه الله ــ من خلال صدقه مع نفسه ومن حوله وحرصه على الدقة. كان ــ رحمه الله ــ حاضرا في كل شيء رسمي أو غير رسمي؛ تجده في المناسبات الاجتماعية تقديرا لمن دعاه رغم انشغاله، وتجده في المناسبات الرسمية والثقافية. هدوؤه ووقاره يجذبك إليه، حديثه لا يمل ونصائحه لا تتوقف. كان ــ رحمه الله ــ واقعيا وصريحا لا يتأخر عن إبداء رأيه فيما يطلب منه، بل يسأل ويتابع إن كان الأمر يحتاج إلى مزيد.لقد ترك لنا معالي الوالد الدكتور الخويطر ــ رحمه الله ــ أنموذجا للمواطن السعودي المخلص لوطنه ودينه، وللمؤرخ الذي أسهم في الإدارة في أكثر من تخصص؛ مثل التعليم والصحة والدبلوماسية وغيرها. فالتاريخ كاختصاص يقدم رجالات ونساء قادرين على التفاعل وخدمة المجتمع بشكل واسع، ومعالي الدكتور الخويطر ــ رحمه الله ــ أثبت بشخصيته المميزة وتجربته الواسعة صحة ذلك.وكان ــ رحمه الله ــ يبادر إلى مساندة من يقصده بكتاب ليقدمه، ويضع حروفه في صفحاته الأولى التي تمتلئ بالإشادة والإفادة.
هكذا كان الوالد الدكتور الخويطر رمزا في العطاء والإدارة والتفاعل والتعامل والأسلوب والإنجاز الوطني.
رحمك الله معالي الدكتور الخويطر وأسكنك فسيح جنانه، وستبقى في ذاكرة الوطن التي اهتممت بها وزدتها بعلمك وإنتاجك وإسهامك
* أمين عام دارة الملك عبد العزيز