معالم الجودة .. في التجربة الكورية

خلال رحلة المجلس السعودي للجودة لجمهورية كوريا الجنوبية استمتعنا وانتفعنا كثيراً بالزيارة التاريخية والمفيدة جداً لشركة هيونداي للسيارات، حيث إنها كانت ضمن برنامج الزيارات المتميز لشركات سامسونج وإل جي وجمعيتي الجودة والمواصفات الكوريتين. وفي هذه الزيارة تسنى لنا الاطلاع عن كثب على هذه الإمبراطورية الكورية العظيمة ذات النجاح الأسطوري في مسيرتها وإنتاجها؛ تجعل الواحد منا في مدرسة ثرية بالفوائد والدروس والمعلومات التي تحتاج إليها شركاتنا الوطنية وقياداتنا الإدارية فيها وكل الطامحين والمهتمين في شتى شؤون الإدارة والتقنية والصناعة. وللمعلومية فكلمة هيونداي كما ذكرت ويكيبيديا أنها تعني باللغة الكورية "العصرية"، وأما شعارها والذي هو عبارة عن الحرف الإنجليزي H بشكل مائل فيرمز لشخصين (الشركة والعميل) يتصافحان.
والغرض من هذا المقال تسليط بعض الأضواء على معالم مهمة في مسيرة هذه الشركة وعلى قصة نجاحها ليتسنى لنا تعلم الدروس والعبر منها. فهيا بنا نحلق في قمم الأجواء المتعطشة لأفضل الممارسات المؤسسية والفردية التي تستحق أن نقطع أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر لنصل إلى مدينة أولسان الساحلية التي تقع في الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة الكورية. وأدعوك عزيزي القارئ للتأمل والاستفادة من المعلومات والدروس التالية فلعل مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
• تأسست شركة هيونداي عام 1967 بواسطة تشونغ جو- يونغ، ولم تستطع الشركة أن تنتج أول سيارة ركاب إلا بعد عشر سنوات وهي سيارة بوني الشهيرة وكان ذلك عام 1976م، كما أنه لم تبدأ عملية التصدير إلا بعد 20 عاما من تأسيسها وذلك بتصدير سيارة اكسل للولايات المتحدة وكان ذلك في عام 1986 وبقيمة خمسة آلاف دولار آنذاك. فكم واجهت هيونداي من الصعاب والفشل وكافحت عقوداً من الزمن حتى أصبحت تنافس أضخم وأعرق شركات السيارات اليابانية والأمريكية والأوروبية.
• لا تزال شركة مجموعة هيونداي موتورز شركة عائلية! وتتبعها 33 شركة تسهم في عملية تصنيع السيارات ابتداءً من المواد الخام كالحديد والألمنيوم والمواد المركبة ومروراً بأجزاء التصنيع الإلكترونية والكهربائية والمساندة وانتهاءً بالشركات المالية والتسويقية والدعائية والتطويرية. وهذا درس في أهمية التكامل بين الشركات التابعة كمنظومة متكاملة من أجل استثمار أمثل لمصادر القوة لمختلف الشركات والمنتجات ومن أجل التركيز والتخصص في نوعية المنتج. هذا وإن من هذه الشركات التي تمتلكها هيونداي شركة كيا للسيارت KIA Motors والتي تعتبر في الأصل منافسة لها في مجالها .
• لدى الشركة عشرة مصانع في العالم ثلاثة منها في كوريا الجنوبية وأكبرها المصنع والمقر الرئيسي في أولسان والبقية تنتشر في دول العالم ومن ضمنها أمريكا والهند والصين وتركيا والبرازيل وغيرها من البلدان. ولدى الشركة خمسة آلاف وكيل في 200 دولة حول العالم، وفي السعودية وحدها ثلاثة وكلاء سيارات. وللأسف فإن المملكة العربية السعودية على الرغم من أنها مؤهلة وتستحق أن يكون لديها مصنع لإنتاج سيارات هيونداي خاصةً أنها المستورد الثاني في العالم بعد أمريكا لسيارات هيونداي حيث إنها تستورد 23 ألف سيارة شهريا من هيونداي فقط! إلا أنها محرومة من وجود مصنع ولو للتجميع مع إمكانية ذلك! فأين من يسعى لذلك وخاصة من وكلائها الكرام؟!
• تتميَّز شركة هيونداي بإنتاجية عالية جداً في مختلف مصانعها حتى إنها تقول إنها تنتج سيارة كل عشر ثوان! ووصلت مبيعاتها عام 2013 إلى أكثر من ستة ملايين سيارة! وتفتخر الشركة بقدرتها على تصنيع سيارة النترا خلال 16 ساعة فقط! منذ دخول المواد الخام إلى التجميع النهائي بينما تأخذ سيارة جينيسس 44 ساعة فقط! علماً بأن عدد القطع في السيارة الواحدة أكثر من 20 ألف قطعة كما ذكرت لنا الشركة. ويواكب القدرة الإنتاجية كفاءة عالية في القدرة التصديرية للسيارات وفق سلسلة من العمليات الموثقة والمنظمة على الرغم من ضخامة الكميات المصدرة. وللمعلومية فمصنع أولسان يقع على الميناء مباشرة، وللشركة رصيف عميق خاص بها فقد رأينا أثناء تجولنا في منطقة الرصيف البحري ثلاث سفن عملاقة ذكروا أن أصغرها يمكن أن تحمل 2000 سيارة وأكبرها تسع 7500 سيارة في الحمولة الواحدة والتي تصل إلى الشرق الأوسط في خمسة أسابيع فقط.
• الجودة هي أحد أهم أسرار نجاح شركة هيونداي، حيث إنها جعلت جودة منتجاتها ورضا عملائها بؤرة اهتمامها ضمن فلسفتها تجاه عملائها فرفعت شعار "طريق هيونداي هو طريق الجودة" وارتكزت سياستها على الالتزام بأعلى معايير الجودة وأنها ضمان لبناء القدرة التنافسية ولذلك بنوا استراتيجياتهم المستقبلية على تحقيق الجودة من خلال مبدأ "الابتكار بناءً على الجودة" مع تحقيق التكامل مع رؤيتها الرائعة "شريك مدى الحياة في صناعة السيارات" واتخذت شعاراً جديداً لها منذ سنتين "تفكير جديد.. فرص جديدة" كما أن لديها فقط في إدارة الجودة أكثر من 300 موظف في مصنع أولسان وحده مما يدل على اهتمام الشركة بالجودة والتزامها التام بتوفير الموارد اللازمة لإدارتها.
• اهتمام الشركة بالبحث والتطوير أمر استراتيجي في سياساتها فلدى الشركة ثمانية مراكز بحث وتطوير في كوريا وأمريكا وألمانيا واليابان والصين والهند وقد وصل الإنفاق عليها إلى 450 مليون دولار في العام المنصرم بزيادة سنوية 10 في المائة مما جعلها منافساً عالميا وبالذات في السيارات الصديقة للبيئة كالسيارات الهجينة القابلة للشحن والمزمع أن تدخل بعض أنواعها في خط الإنتاج عام 2015.
وأخيراً عزيزي القارئ.. إن شركة هيونداي بمختلف منتجاتها وعلامتها التجارية الشهيرة وقيمها وثقافتها المؤسسية هي قصة من قصص النجاح الأسطورية التي ينبغي الاطلاع على تجربتها والتأمل فيها واستلهام الفوائد والدروس من أفضل الممارسات المؤسسية التي تتبعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي