«قواعد العشق الأربعون».. رحلة بين العادي والمتوقع والمُسطح
تقول الروائية التركيّة إليف شافاق صاحبة الـ 43 عامًا في تصديرها للرّواية "ارم حجرًا في بحيرة، ولن يكون تأثيرها مرئيًا فقط، بل سيدوم فترة أطول بكثير" هل كانت تعي أنّ ذلك الحجر قد يكون روايتها هذه، إذ إنّ انتشارها كان هيستيريًا في العالم، وفي فترة قصيرة. وممّا يثير العجب أنّ أيًا من رواياتها الأخرى لم تحصل على الصيت ذاته، مما يفتح الباب للتساؤل حول كونها كاتبة الرّواية الواحدة، هذا إن سلّمنا أنّ الانتشار الواسع يعني بالضّرورة التمكّن من صنعة الرواية.
يبدو جليًا من العنوان أنّ الرواية معنيّة بالصوفية "قواعد العشق الأربعون – رواية عن جلال الدّين الرومي". لكنّ الاسم لم يكن موفّقًا بما فيه الكفاية إذ إنّه ينطوي على ادّعاء معرفة قد لا يملكها أي إنسان؛ فمن الّذي يستطيع إعطاءك سرّ العشق؟ كما ويحيل بشيء من السخرية إلى القواعد المرفقة مع "كتالوجات" الأجهزة الكهربائية. تبتدئ الرّواية بقصّة عائلة روبنشتاين التي تمتلك "حياة رتيبة وعادية من نواح عدة"، هي عائلة إيلا، المكوّنة من ثلاثة أبناء (جانيت وأورلي وآفي)، والزوج ديفيد؛ طبيب الأسنان الناجح لكنّه لا يحظى بعلاقة طيّبة مع زوجته نظرًا لفتور العاطفة بينهما. في الواقع هذه بداية عاديّة للرواية، بل تقترب من كونها "كليشيه" يسهل معه توقّع القادم.
#2#
على غرار العديد من الرّوايات التي تستند على كتب أخرى، كرواية أورهان باموق "الحياة الجديدة" التي تبتدئ بالجملة التالية "قرأت كتابًا في يوم ما فتغيّرت حياتي كلها"، تستند هذه الرّواية إلى عمل آخر، أرسلته الوكالة الأدبية التي بدأت إيلا تعمل لمصلحتها. "الكفر الحلو" رواية وحيدة لكاتب يدعى عزيز زاهارا تتحدّث عن التّحوّل الكبير في حياة الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي لدنّ معرفته بالدرويش الصوفي المتجوّل شمس التبريزي.
إذن نحن أمام حكايتين، إحداهما في قلب الأخرى، وهو أمرٌ قد يعني الكثير. بداية هذا الأسلوب يضفي جماليّة على السّرد، ويعطي نوعًا من التشويق إذ كلّما تقدّمت حكاية ما، يظلّ البال مع الحكاية الأخرى رغبة في معرفة القادم. لكنّ هذا الأمر قد يعني أيضًا أنّ هناك خطّين زمنيّين يجب الاعتناء بهما دون إغفال الآخر، من ثمّ ستزداد عدد الشّخصيّات الّتي يجب على الكاتبة أن تتقنها، وهو ما لم يحصل هنا، فالشّخصيّات مسطّحة المشاعر، يسهل توقّعها، ابتداء من إيلا الّتي لم تكن متحمّسة لقراءة رواية في البدء وهو ما يعني أنّها ستعشقها دون أدنى شك في النهاية، وزوجها الّذي يعلم كم أجحف بحقها بخياناته المتوالية لها لكنّه يستمر في ذلك طالما الآخر لا يتكلّم، وعلاقتهما بأطفالهما التي تظهر مدى محافظة العائلة وتشاركها في تبادل الآراء، الأمر الذي يدفع للتساؤل، هل الكاتبة متأكدة أنها تكتب عن عائلة أمريكيّة لا تركيّة؟ وعلى الطّرف الآخر في رواية "الكفر الحلو" أدرجت شفق عددًا كبيرًا من الشخصيّات دفعت بالرواية دفعًا نحو التّرهّل، فقط لتخدم الشخصية المركزية في الرواية "شمس التبريزي".
لنأتي على الحكاية الأهم في الرواية، علاقة جلال الدين الرومي، الشيخ الجليل، إمام أحد أكبر جوامع قونية، بشمس التبريزي، الدرويش الصوفي الجوّال.
ويبدأ بعدها بسردِ مواعظه للعشّاق، والّتي هي للمناسبة، قواعد عامّة للغاية من قبيل "لا تحاول أن تقاوم التغييرات" و "الحبّ وحده هو الذي يطهر قلوبنا" ولا يمكن أن تعني بأي حال، ما قد يفهم من العنوان بأنّها قواعد مضمونة للعشق.
في مكانٍ ما، تدخل الرّواية فيما قد يسمّى منطقة رماديّة، لا تعود معها علاقة الرومي وشمس مفهومة. فما هي العلاقة بين أي اثنين، قد تدفع أحدهما أن يهجر زوجته وأولاده وعمله، يتنسّك عن كل ما كان يؤثث حياته السابقة فقط ليظلّ جوار رفيقه الرّوحي. إن كانت الكاتبة مغفلة عن مدى إشارة ذلك إلى مثليّة العلاقة فهذا يعني أنّه ثمّة خللٌ في تكوينها الروائي، أمّا إن كانت تعي ذلك، وأرادت من قارئها أن يستثني هذا الخيار، فالعشق أسمى مرتبة من هذا الشذوذ في التفكير، فهي قد لا تكون أفلحت في إبعاد هذا الاحتمال تمامًا، وقد يسهم هذا النّص، الذي يصف الرومي وشمس وهما يجلسان أسفل شجرة بعد أدائهما صلاة الصبح، في تأكيد ذلك "جلسنا في الفناء لا تفصلنا سوى وردة حمراء حتى حلّ الظلام واشتدّ البرد. وتحت برودة المساء، كنت تحسّ بشذى شيء نضر وجميل. فقد جعل نبيذ الحبّ رأسينا يدوران بلطف، وأدركت ببهجة أن الريح لم تعد تهمس باليأس." كما أن عدم قبول شمس إتمام زواجه من "كيميا" - ابنة الرومي بالتبني - بالدخول بها يوم زفافهما يثير السؤال ذاته حول هويته الجنسية.
قد تكون الرّواية مترهّلة بعض الشيء، وأصابها الوهن في مواضع كثيرة، إلا أن الحقّ يجب أن ينسب لأصحابه، فجهد الكاتبة واضح في الرواية، فهي تمتلك مخيّلة واسعة ولها القدرة أن تتقمّص العديد من الشّخصيّات، الأمر الذي قد يعوّل عليه مستقبلا لإنتاج أعمال محترفة. جدير بالذكر أيضًا أن للروائية عدة أعمالٍ أخرى ترجمت إلى العربية منها "لقيطة إسطنبول"، "شرف"، و"قصر القمل".