مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة، أحد أحلام جدة الموعودة التي تحققت أخيراً، وأهم مشروع رياضي ارتقبه الرياضيون في البلاد، والمدينة الرياضية الأضخم في الشرق الأوسط، والجوهرة الجديدة التي تزيّن عروس البحر جدة، جاءت هذه المدينة امتثالا للأمر الملكي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي كان - ولا يزال - حريصا على قطاع الرياضة والشباب في البلاد، مانحا هذا القطاع حظاً وافراً من مخصصات الدولة التنموية، حيث شهد عهده العديد من القرارات الداعمة لقطاع الرياضة والشباب، من أبرزها قرار إنشاء مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة.

لكن التحديات واجهت هذا العمل منذ أوائل أيام انطلاق الأعمال فيه، حيث إن مثل هذا النوع من المشاريع يتطلب توافر مقاولين ذوي كفاءات عالية بقدر تعقيد المشروع وتميّزه، لذلك قامت شركة أرامكو بعمليات تقييم مكثّفة للغاية لتأهيل المقاولين المتقدمين للمشروع، لضمان تنفيذ المشروع بأتم وجه ممكن في فترة قصيرة نسبياً في عمر هذا النوع من المشاريع، التي حُددت بـ 14 شهراً أثناء سير المشروع، ما وضع المقاول المنفذ أمام تحد أكبر!

#2#

شركة أرامكو، التي تولت الإشراف على المشروع، تلقت العديد من العروض من الشركات العالمية والمحلية ذات السمعة العريقة في تنفيذ المشاريع الكبرى والسجل الحافل في إنشاء المدن الرياضية، حتى تم إعلان الترسية في ذي القعدة من عام 1432 (سبتمبر 2011) بعد جولات عديدة من المنافسة بين الشركات المتقدمة على شركة المهيدب للمقاولات المتحالفة مع شركة بيسكس البلجيكية للإنشاءات. ومنذ اليوم الأول من إقرار الترسية، بدأت مجموعة المهيدب خطواتها الجادة في سبيل تنفيذ العمل الموكل لها بأكمل وجه، وبدأت بأعمال التصميم النهائي الذي جرى في مكاتب شركة أروب في لندن في المملكة المتحدة واستغرق نحو تسعة أشهر للإكمال، وكان السبيل الوحيد في ذلك العمل من دون توقف، وهذا ما تم بالفعل، كانت الخطة تقتضي أن يعمل قرابة عشرة آلاف عامل من مختلف التخصصات والفئات الفنية والهندسية والإدارية في الموقع على مدار الأربع والعشرين ساعة يوميا وسبعة أيام في الأسبوع ودون توقف حتى انتهاء العمل، وهذا ما حدث بالفعل.

#3#

قرابة عشرة آلاف موظف في المشروع، أمضوا أكثر من 23 مليون ساعة عمل، على مدى 13 شهراً، منذ المباشرة في أعمال المشروع حتى تم تسليمه قبل الموعد الذي حددته شركة أرامكو المشرف على المشروع، على الرغم من اختزال المدة المحددة للمشروع أثناء سير العمل.

طبيعة المشروع المتفردة نسبياً، وضعت شركة المهيدب أمام تحد آخر يكمن في توفير أفضل الكفاءات المؤهلة لإدارة المشروع، ولتحقيق هذا الأمر، حرصت الشركة منذ بداية تسلمها للمشروع بتأهيل المهندسين السعوديين الأكفاء من خلال دورات فنية وهندسية متخصصة في أماكن مختلفة على مستوى العالم، بما يكسبهم معارف جديدة تمنحهم القدرة على إدارة المشروع بنجاح، وتعطيهم الخبرة الممزوجة بالمعرفة بما يعزّز حضور شركة المهيدب للمقاولات كشركة سعودية رائدة في مجال الإنشاءات المتقدمة بكوادر وطنية مؤهلة، وبما يؤكد قدرة الشباب السعودي الكفء على إدارة أعقد المشاريع الهندسية وأكثرها دقة.

#4# وكان تصميم مدينة الملك عبد الله الرياضية، من تنفيذ إحدى أشهر دور التصميم الهندسي في العالم، مكتب "أروب" ARUP البريطاني العريق، الذي صمم العديد من أشهر المعالم الإنشائية في العالم من ضمنها دار الأوبرا في سيدني في أستراليا وبرج كانتون، أحد أطول أبراج العالم، إلى جانب عدد من المدن والصالات الرياضية، من ضمنها ملعب إليانز أرينا في ألمانيا، إلى جانب أكثر من ألف تصميم لمشاريع عملاقة توزعت في قرابة 60 بلداً حول العالم على مدى ما يقارب 70 عاماً. كذلك؛ كان شريك الائتلاف المقاول للمشروع، هو شركة بيسكس البلجيكية، التي كانت طرفاً في العديد من المشاريع الكبرى حول العالم من ضمنها برج خليفة في دبي، وتمتلك سجلاً حافلاً من الإنجاز في مجال المشاريع الرياضية، من بينها حلبة فيراري في أبو ظبي، الأمر الذي منح ائتلاف المهيدب وبيسكس قوة كبيرة، وساهم في مزج خبرات فريق العمل من خلال العمل المشترك طيلة فترة تنفيذ المشروع.

#5#

واستطاعت المهيدب إكمال العمل في الوقت المحدد، رغم كل تحديات المشروع التي يأتي من ضمنها توفير المصادر اللازمة للبناء بكميات ضخمة جداً بصفة يومية، حيث وضعت خطط عمل محكمة لتنويع مصادر توريد المواد اللازمة، والتنسيق فيما بينها لتسلمها وفق إطار زمني محكم وقصير، وتنفيذ قنوات توزيع وتصريف فائقة الدقة والسرعة، حيث وصل عدد الموردين إلى أكثر من 889 شركة ومؤسسة محلية، وابتكرت الشركة برنامجاً مرناً يسمح لها بتأمين شريحة كبيرة من المواد من مصادر متنوعة وموثوقة من السوق المحلية بشكل مباشر وسريع، الأمر الذي أسهم في دعم حركة المال والأعمال محلياً وأسهم في رفدها بشكل كبير وملموس.

ولأن الاستثمار في الموارد البشرية يعتبر أهم استثمارات أي شركة رأسمالها الحقيقي هو الكفاءات البشرية، فقد استثمرت شركة المهيدب للمقاولات في الموارد البشرية الوطنية على وجه الخصوص، حيث وفرت عددا هائلا من الفرص الوظيفية الحقيقية للشباب السعودي، الأمر الذي يعد إنجازاً في ظل عزوف معظم الشباب السعودي عن المهن الفنيّة وخلوّ السوق المحلية منهم، حيث أنشأت شركة المهيدب معهدا متخصصا لتدريب الشباب السعودي وتأهيله في مدينة ثول، وعمل المعهد على رفد المشروع بأيد سعودية ماهرة تعمل في أعمال الكهرباء والبناء والسباكة ومشغولات الحديد والبناء، الأمر الذي يكرّس مفهوم البعد التنموي لمثل هذا النوع من المشاريع، ويسهم في تطوير المنطقة المحيطة بها، ويعمل على توفير الشباب السعودي المؤهل في مجالات عمل جديدة بالنسبة له.

وبلغت مساحة أعمال الملعب التي نفذتها شركة المهيدب للمقاولات، 169,622 مترا مربعا، استخدمت فيها قرابة 200 ألف متر مكعب من الخرسانة الجاهزة، و90 ألف طن من الحديد المسلّح، وقرابة سبعة آلاف طن من الهياكل الحديدية الأخرى، كما سبقت ذلك أعمال حفر للمشروع بلغ حجمها أكثر من 1.2 مليون متر مكعب، وأعمال تمديد للأنابيب يتجاوز مجموع أطوالها 15.7 ألف متر، إلى جانب أعمال الطرق المؤدية للموقع التي بلغ مجموع أطوالها قرابة 8.5 كيلو متر، ومواقف السيارات البالغة مساحتها أكثر من مليون متر مربع.

وتضم مدينة الملك عبد الله الرياضية، ملعباً رئيساً مخصصاً لكرة القدم، يضم 60 ألف مقعد، تمت تهيئتها بطريقة تسهل الوصول إليها عبر الأرقام، بحيث يرتبط كل مقعد برقم تذكرة مخصص، وتم تمييز المقاعد بالألوان كذلك لجعل عملية الوصول أكثر سهولة. كما تمت تهيئة المنصة الملكية بكل المرافق اللازمة لها على أعلى المعايير، إلى جانب توفير مرافق خاصة بالدرجة الممتازة. كما يضم الملعب عددا من المقصورات الخاصة لكبار الشخصيات، على غرار الملاعب الأوروبية الكبرى، بحيث تستوعب الكبينة الواحدة من 10 - 20 شخصا تقريباً، ويتم استخدامها لقطاع الأعمال بالدرجة الأولى، وتم تصميمها لتوافق متطلبات هذا القطاع بالشكل الملائم. وتضم مدينة الملك عبد الله الرياضية عددًا من المرافق الرياضية ذات الطراز العالمي، منها صالة للرياضات المتعددة، ومضمار ومنصة لألعاب القوى، إلى جانب مرافق تدريبية وتطويرية في كرة القدم والتنس وألعاب القوى. وبطبيعة الحال، يتضمن المشروع مسجداً مخصصاً لرواد المدينة، وساحات فسيحة لمواقف السيارات لاستخدامها من قبل الضيوف أثناء استضافة الأحداث الرياضية المختلفة، كما راعى تصميم وتنفيذ الموقع توفير كل الاحتياجات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة من رواد المدينة ومرافقها. جوهرة جدة، يظهر قوامها كجوهرة حقيقية عملاقة، تتألق في سماء جدة، وذلك بفضل تقنيات الإضاءة المتقدمة التي تزين الملعب من الخارج، إلى جانب التصميم الذكي لواجهات الملعب التي تشكل تموجات فاتنة، بفضل الإتقان الهندسي في التصميم والتنفيذ، الذي روعيت فيه أدق المواصفات العالمية وأعلاها. أما داخل الملعب فقد تم تصميمه بطريقة تجعل المشجع الحاضر يعيش تجربة غير مسبوقة في الملاعب السعودية، حيث سيكون أكثر قرباً من ذي قبل من أحداث المباراة على أرضية الملعب، كما تمت تهيئة الكراسي المخصصة في الملعب وفق أحدث المعايير العالمية بعد إخضاعها للعديد من التجارب والاختبارات، وستوفر له فرصة كبيرة في متابعة الأحداث كافة بوضوح وراحة لم تكن معهودة مسبقاً في الملاعب المحلية. كذلك؛ روعي أثناء التصميم والتنفيذ الأخذ في الاعتبار الظروف البيئية والمناخية للمنطقة، حيث تم تصميم الملعب بما يتيح تهوية الملعب بشكل طبيعي، عبر تجميع الهواء من محيط الملعب وضخه للأعلى بشكل دوري ومستمر، ما يمنح فرصة لتجدد الهواء وانتشاره وتقليل دخول الهواء الساخن وتقليل أثر الرطوبة، ما يمنح للجمهور قدراً أكبر في الاستمتاع بالمباريات أثناء حضور المباراة في الملعب.

تصميم المشروع وتنفيذه تميّز بالعصرية والبساطة والجمال، وأخذ في الاعتبار حركة الرياح واتجاه الشمس ليعطي بعداً بيئياً مهما للمدينة الرياضية ويسهم في الحفاظ على موارد الطاقة فيها، كما اعتمد التصميم على الرسومات الطبيعية للكثبان الرملية التي استخدمت في عدد من المرافق من بينها المسجد الرئيس في المشروع، في حين تم اعتماد الزخارف الإسلامية في مرافق الملعب. وقامت شركة المهيدب بتخصيص عدد من المساحات بالتنسيق مع مشرف المشروع، لتضم أعمال العديد من الفنانين السعوديين، حيث كانت أعمالهم الفنية حاضرة في أنحاء مختلفة من الملعب، وبادر العديد من كبار فناني السعودية التشكيليين برسم إبداعاتهم على جدران مرافق الملعب الرئيس، لإضفاء الصبغة المحلية والجمال الفني لتفاصيل المشروع.

من جانبه، أكد يوهان بيرلاندت نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة بيسكس، أن اختيارهم شركة المهيدب للمقاولات كان بناء على خبرتها السابقة في أعمال البناء والإنشاء، وكذلك السمعة المميزة التي تمتلكها الشركة والمجموعة من خلال نجاحاتها وخبرتها العريقة. ويعد هذا المشروع أحدث المشاريع التي أكملتها شركة المهيدب للمقاولات، التي بدأت أعمالها في عام 1977، كواحدة من مجموعة شركات عبد القادر المهيدب وأولاده، وأسست نفسها لتكون الشركة الرائدة في مجال البناء في السعودية، بعد بداية ظهورها في مدينة الدمام في المنطقة الشرقية. وعملت شركة المهيدب للمقاولات في العديد من أعمال الإنشاءات في المشاريع السكنية والتجارية والمجمعات ومحطات إمدادات الطاقة ومشاريع النفط والغاز الضخمة ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي ومحطات تحلية المياه وأنفاق البنى التحتية والصرف الصحي. وآخر أعمال شركة المهيدب، إلى جانب مدينة الملك عبد الله الرياضية، مشروع صوامع غلال جازان والمرافق التابعة لها، ويغطي نطاق العمل تصميم الصوامع المخصصة لتخزين الصوامع وتوريدها وبنائها وتكييفها، على أن تستوعب هذه الصوامع 120 طناً مترياً من القمح والحبوب. كما تقوم شركة المهيدب للمقاولات في هذا المشروع بتنفيذ الأعمال الإنشائية والكهربائية والميكانيكية كافة، إضافة إلى توفير جميع الأجهزة والمعدات اللازمة لعملية التشغيل، إضافة إلى أنظمة النواقل ونقاط تسلم الشاحنات ووحدتين لتفريغ البواخر بطاقة ألف طن في الساعة، ومستودعات لتخزين الدقيق والنخالة وورش الصيانة ومخازن قطع الغيار وموازين الشاحنات والمختبرات ومباني إدارة فرع المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق وإدارة المبيعات. ويشمل عملها تنفيذ محطة للمحولات الكهربائية ومحطة للتوزيع والأعمال المساندة في مجال السلامة ومكافحة الحريق والتنظيف ونظام إنذار الحريق وخطوط المياه والصرف الصحي. والتزاماً بما دأبت عليه الشركة في مشاريعها كافة، وبالتعاون مع الكلية التقنية في جازان فهي بصدد تأهيل وتوفير الكفاءات الوطنية لتشغيل أعمال الصوامع من أبناء المنطقة، حيث تعمل الشركة على توظيف 15-20 في المائة من إجمالي الفنيين في المشروع من أبناء المنطقة، سعياً منها إلى تطوير اقتصاديات المناطق التي تعمل فيها، حيث نجحت الشركة في عدد من التجارب المماثلة في مواقع مختلفة عدة من البلاد. كما تعمل شركة المهيدب للمقاولات على عدد من المشاريع المختلفة في مجالات عديدة، بما يؤكد حضورها في أعمال المقاولات والإنشاءات على المستوى الإقليمي، ومن بين هذه المشاريع إنشاء مبنى مستشفى تعليمي لجامعة طيبة يتألف من ثمانية طوابق وبمساحة إجمالية تقدر بأكثر من 200 ألف متر مربع، إضافة إلى مبنى الخدمات الطبية الملحقة بالمستشفى الذي يحتوي على مصنع إنتاج الغاز الطبي وغرف المولدات والمحولات الكهربائية. كما نفذت الشركة أخيرا مجموعة من المخازن الطبية المتخصصة لمصلحة وزارة الصحة في مناطق مختلفة من المملكة، إلى جانب العديد من المشاريع الكبرى لمصلحة جهات مختلفة من أبرزها شركة أرامكو، حيث منحت الأخيرة شركة المهيدب تقييما مميزاً من بين المقاولين المؤهلين لديها، إلى جانب حصولها على العديد من الشهادات المهنية المميزة مثل شهادة ISO 90001 وشهادة OHSAH8001. وتعمل شركة المهيدب، التي صنّفت عام 2008 ضمن التصنيف "أ" لدى "أرامكو السعودية"، على أن تحتل القيادة محلياً في مجالات الإنشاءات العامة، بما في ذلك المطارات والأبنية المرتفعة والسكك الحديدية، إضافة إلى أعمال البنى التحتية بما في ذلك حفر الأنفاق والأساسات.

وتتمتع شركة المهيدب للمقاولات بشراكات مثمرة طويلة الأمد أنتجت العديد من المشاريع الناجحة مع عدد من القطاعات الكبرى في البلاد، منها شركة أرامكو السعودية، والشركة الوطنية للمياه، وهيئة الطيران المدني، إلى جانب الهيئة الملكية في الجبيل وينبع.