ماذا لو؟
سؤال افتراضي قد لا يهتم به الكثيرون إلا أنه من المهم طرحه وجعله مادة للنقاش، لا لتنشيط الذهن بدلاً من الركود والجمود فحسب، بل لأخذ الحيطة والحذر مما يمكن وقوعه وليس حتمياً، هذا السؤال فلسفي لكن ذو قيمة في حياة الأفراد، والأمم، إذ من خلال الإجابة عنه يأخذ الفرد أو الأمة الأهبة والاستعداد لأمور قد تقع لأسباب نعلمها أو لا نعلمها.
هذا السؤال يمثل نوعاً من الأسئلة التي يعرف من خلالها الأفكار الإبداعية التي ينتجها الفرد لأمور افتراضية قد لا توجد أي شواهد على إمكانية حدوثها، لكن ليس من المستحيل حدوثها، لذا يستخدم في اختبارات الموهبة والابتكار من قبل المعنيين بهذا الموضوع، ولاتضاح الصورة من الممكن أن نسأل: ماذا يمكن أن يحدث لو توقف جريان نهر النيل بسبب السد الذي تقيمه إثيوبيا؟ ومنها ماذا يمكن أن يحدث لو أوقفت الدول المنتجة للأرز تصديره فماذا يمكن أن تفعل الدول التي تعتمد عليه كغذاء رئيس، أو لو أوقفت الدول المنتجة للسلاح تصدير قطع الغيار للآلات الحربية؟ صحيح أن هذه أمور افتراضية لا يوجد ما يدل على حدوثها لكن لا يوجد ما يمنع حدوثها.
احتمالات كثيرة قد تترتب على هذه الأمور المحتمل حدوثها اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وبيئية، ومنها أن يجد المصريون في توقف جريان النيل فرصة للانفكاك من الحياة الزراعية، واختيار أساليب حياة مختلفة مثل أن يتحول المجتمع إلى مجتمع صناعي، أو مجتمع يعتمد على اقتصاد المعرفة، أو أن يتحول إلى مجتمع يعتمد في الأساس على التجارة، أو أن يهاجر الكثير من المصريين إلى أوطان أخرى ليستقروا فيها. وقد يتبع هذه الاحتمالات احتمالات أخرى مترتبة عليها حتى يكون الموضوع أشبه بالسلسلة، إذ لو تحول المجتمع إلى مجتمع صناعي سيتغير نمط الحياة، وقد تظهر آثار بيئية واجتماعية غير ما هو موجود في الوقت الراهن.
أما توقف تصدير الأرز فقد يترتب عليه تغير نمط معيشة الناس، وسلوكهم الغذائي حيث سيفكرون في منتجات أخرى، أو قد يفكرون في إنتاج الأرز في أوطانهم بدلاً من استيراده، وهذا يترتب عليه إيجاد أساليب زراعية تتناسب مع الطقس، ومع ظروف المجتمع. توقف تصدير السلاح وقطع غياره سيعيد الناس إلى القيام بواجب تخلوا عنه يتمثل في قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".١
أما لو تحول البحر إلى يابسة، فهذا قد يترتب عليه تعطل التجارة البحرية والتوجه إلى أساليب أخرى لنقل البضائع لتحل محل البواخر، وقد تواجه تجارة النفط مشكلات في تسويقها ونقلها من منابعها إلى المستهلكين.
من التغيرات المحتملة تغيرات جيوسياسية، إذ ربما تندمج دول مع أخرى لتشكل دولاً جديدة باسم آخر، ونظام مختلف، يضاف إلى ذلك من التغيرات المعرفة الجغرافية، إذ لن تكون هناك قارة إفريقيا، وآسيا، وهذا سيترتب عليه تحولات عرقية، وكثافة سكانية في مواقع دون أخرى وتغير في الحرف والمهن.
لماذا أطرح هذا الموضوع في هذه الزاوية الأسبوعية؟ سؤال من الممكن أن يسأله أي شخص يرى عنوان المقال، ويحق له ذلك، فهذا الموضوع قد ينحو منحىً فلسفياً، لكنه في حقيقة الأمر مهم وتفتقده تربيتنا، إذ من النادر أن تتضمن مناهجنا وفعالياتنا التربوية أسئلة من هذا القبيل تتحدى العقل، وتخرج به من دائرة المعقول، أو الواقع إلى دائرة أوسع وأشمل وذات طبيعة افتراضية بهدف تعويد الأفراد على التفكير في المحتمل غير المشاهد، الذي لا تتوافر أي شواهد تدل على إمكانية حدوثه، هذا النوع من التفكير ينقلنا من الركود الذهني إلى حالة النشاط والتفتق الذهني.
إن تدريب النشء على أسئلة إجاباتها احتمالية تشكل أساساً للإبداع، وهذا هو السبيل الذي سلكه وفكر من خلاله كثير من المخترعين، إن كثيرا مما ننعم به في حياتنا المعاصرة لم يكن ليتحقق لو استمر الإنسان يفكر بطريقة تقليدية تحصره فيما هو مألوف لديه. إن الخروج عما هو مألوف يجعل غير المألوف مألوفاً ويترتب عليه شيء جديد. في التخطيط الاستراتيجي أسئلة كهذه تعد أمراً أساسياً لاستشراف المستقبل والاستعداد لكل الاحتمالات بدلاً من الركون لحالة الموت السريري للدماغ.