هيمنة واحد في المائة

تستند المقارنات في القدرات المادية عادة إلى الدخول. مثلا، راتب رئيس شركة كبرى يساوي عشرات المرات، وربما أكثر، راتب أصغر موظف. لكن هذه صورة ناقصة. ثروة ودخل أحد ملاك الشركة ربما تساوي مئات المرات ثروة ودخل رئيس الشركة.
هناك طبقة صغيرة جدا في نسبتها إلى مجموع البشر، تشكل نحو 1 في المائة من المجتمعات، لكنها مؤثرة جدا: الطبقة البالغة الثراء.
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي، أن صحيفة "الإندبندنت" البريطانية قالت في شهر يناير الماضي استنادا إلى تقرير منظمة أوكسفام الخيرية عن تراكم الثروة في العالم في أيدي عدد أقل من الأثرياء، بينما تتسع قاعدة الفقر. قالت إن نحو 100 ثري في العالم اليوم يكتنزون ثروات تعادل تقريبا ثروة نصف سكان العالم مجتمعين. وحذرت منظمة أوكسفام الخيرية من أن هذا الوضع قد يتسبب في اندلاع أحداث واضطرابات اجتماعية في العالم.
كان هذا الوضع مهملا نسبيا في البحث والنقاش في القرن الماضي. حيث تركز النقاش على سؤال فروقات التوزيع الدخلي وليس فروقات الغنى والثروة. سؤال الفرق الدخلي يتجاهل بطبيعته توزيع الثروة. توزيع مستويات الدخل يراوح بين ذوي الدخل المعدوم إلى المحدود فالمتوسط فذوي الدخل العالي. ونادرا ما يتعرض إلى بالغي الثراء. الدراسات والتشريعات بنيت على هذا الأساس. تسمع طبقة ذوي الدخل المحدود، ولكن لا تسمع طبقة ذوي الثراء المحدود. ركزت الدراسات على ما يسمى ذوو الدخول العالية الذين يشكلون نحو خمس أصحاب الدخول والباقين، ممن يوصفون بأنهم ذوو دخول غير عالية، مع تجاهل لأصحاب الدخول العالية جدا من كبار تنفيذيين ومصرفيين، فضلا عن دخول الأثرياء.
ظهر حديثا عالم الاقتصاد الفرنسي توماس بيكتي بكتابه "الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين" الذي هز الأوساط البحثية والأكاديمية ليس في المجال الاقتصادي فقط، بل في عامة العلوم الاجتماعية. بل تجاوز ذلك إلى أوساط أصحاب القرار السياسي في دول الغرب على الأقل. الكتاب محاولة ثورية غير مسبوقة في المنهج لفهم التطور والتوجه على المدى البعيد لمسار الرأسمالية عامة وفروقات الدخل والثروة خاصة.
الكتاب ينتقد طرفي نزاع: المهاجمون للرأسمالية من أنها تهدم نفسها بنفسها. والمادحون أنه ليس بالإمكان أحسن مما هو قائم .. وقد كتب الكتاب بلغة يفهمها غير المتخصصين. وهذا على خلاف أغلبية الكتب الاقتصادية الرصينة المؤلفة على أساس أن التخصص شرط مسبق لفهمها.
خصص الكتاب جزءا كبيرا لتفسير النمو الحاد غير المسبوق لثروة نخبة تشكل الواحد في المائة، وخطر ذلك. الرأسمالية القائمة بحاجة إلى ثورة لتصحيحها.
دخول ما أطلق عليهم نسبة الواحد في المائة، هم حقيقة مصدر اتساع هوة الفرق في الدخل والثروة.
نصيب الواحد في المائة يساوي قرابة خمس كل الدخل في بريطانيا وأمريكا قبل الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918). ومع حلول عام 1950، انخفض نصيب الواحد في المائة إلى النصف أي إلى عشر الدخل. لكنه في السنوات الثلاثين الماضية عاود الارتفاع إلى مستويات ما قبل الحرب العالمية الأولى.
كيف توصل كتاب توماس إلى ما توصل إليه؟ يقاس توزيع الدخل عادة على أساس مسوحات. لكن أظهر كتاب توماس مشكلات كثيرة في نتائج المسوحات عن توزيع الدخل.
الرجوع إلى سجلات الضرائب يعطي تصورا أفضل عن توزيع الدخل مقارنة بالمسوحات. رغم ذلك، لسجلات الضرائب عيوب. والجمع بين المسوحات والسجلات يعطي التصور الأفضل وهو ما فعله توماس وفريقه للوصول إلى فهم لتوزيع الدخل والثروة. وتم ذلك عبر تطوير أدوات وتقنيات إحصائية، استعراضها خارج نطاق المقال.
بين الكتاب أنه جرت خلال السنوات الثلاثين الماضية إعادة لتوزيع الدخل محصلتها انخفاض نصيب العمل من الدخل وزيادة نصيب رأس المال (من مثل أرباح الشركات والإيجارات العقارية وأرباح بيع الممتلكات) من الدخل. وهذا خلاف التفكير الاقتصادي السائد خلال السنوات الماضية. كان ينظر إلى أن نصيب كل منهما مستقر عبر الزمن. تبين أن هذا غير صحيح.
الزيادة في نصيب رأس المال تعني مباشرة زيادة الفروقات، بسبب أن الفروقات في ملكية رأس المال أكبر مقارنة بفروقات التوزيع في نصيب العمل من الدخل.
كتاب توماس يزيد التأكيد على أهمية فرض ضرائب على الأراضي البيضاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي