حارسة أمن .. بدرجة ماجستير
حين كنت ألقي محاضرة بعنوان "عقلي ليس للإيجار" في كلية العلوم التطبيقية بمحافظة القويعية، كنت أتحدث فيها عن قدرة الإنسان ــ بإذن الله تعالى ــ على تحقيق أحلامه حين يؤمن بقدرته على ذلك، وذلك حين لا يسمح للآخرين باستعمار عقله بأحكامهم وتقييماتهم السلبية، كانت هناك حارستا أمن تنصتان باهتمام لما ألقيه، وبعد انتهاء المحاضرة طلبتا مني أن أستمع لحكاية أحلامهما التي ينسجانها بكل إصرار وصمود.
حكاية تستحق أن تنسج بماء الذهب وتروى لكل محبط منهزم يظن أن النجاح بساط سحري، متى ما أراد امتطاه ليصل في لحظات إلى ما يريده، متجاهلا أن النجاح ملحمة لا تكتمل فصولها إلا بعد العثرات ولحظات الفشل وأيام الصمود وشهور الإصرار والتحدي وسنين العزيمة وقوة الإرادة.
هما زميلتان توظفتا حارستي أمن، وقد كانتا وقتها حاصلتين فقط على الشهادة المتوسطة، ولأن سقف طموحهما كان عاليا ونفسيهما لم تعترفا بمبدأ "مكانك سر" فقد قررتا أن تكملا دراستهما، وفعلا هذا ما حدث، حيث أكملتا المرحلة الثانوية معا، رغم تعب الوظيفة ومتطلبات المناهج، ولأن النفس الوثابة للمعالي حين تنطلق فإنها تنطلق كحصان سباق لا يرى الحواجز بقدر ما يرى خطوط النهاية، فقد أكملتا حلمهما بدخول الجامعة غير عابئتين بتعليقات السلبيين، ولا بقول "يوم شاب ودوه الكتاب"، فالإنسان الإيجابي حين يركز على الهدف فإن كل المعوقات من حوله تختفي تماما، وهذا ما حدث فقد كانت شهادة "البكالوريوس" هي هدفهما، بعد جهد وعزيمة وكفاح حصلتا على الشهادة الجامعية.
وخلال مشوار كفاحهما لم تتخليا عن واجبات الوظيفة بل أديتاها بكل صدق والتزام، وما زالتا تفعلان.
الجميل في الأمر الآن أنهما تدرسان الماجستير حاليا وتترددان على الرياض ثلاث مرات أسبوعيا بعد الانتهاء من دوامهما المتعب كحارستي أمن، في رحلة تستغرق عشرات الكيلومترات.
قصة هاتين الحارستين أحدثت في نفسي أثرا عميقا، وكنت ممتنة لهما لأنهما أخبرتاني بقصتهما التي أكتبها الآن، والتي ستكون ملهمة لكل شخص لديه حلم يسعى لتحقيقه بشرط ألا ينصت لأي سلبي محبط قاتل للطموح.
وخزة
يقول آينشتاين: (قوة التخيل أهم من المعرفة). فابدؤوا من اليوم بتخيل ما تودون أن تكونوا عليه!