عندما تعيّنت في أول وظيفة، كانت مواقف السيارات المجاورة لمبنى الإدارة العامة مرقمة، لكن أقل من عشرة مواقف كانت محدّدة لمسؤولين، والبقية لمَن سبق. تشجيع جيد للتبكير في الحضور، خصوصاً أن البديل كان مواقف تبعد أكثر من 300 متر. تعوّدنا أن تقف سيارة المدير العام في الموقف رقم (1)، ثم بقية المديرين الذين كانوا يحضرون قبل أغلب الموظفين في تلك الأيام.
ظهرت بعد ذلك بفترة لوثة موقف المدير العام. اكتشف أحد “الفطنين” أن سيارة المدير العام يجب أن تميَّز، وتُعطى موقفاً خاصاً أمام المبنى. ثم رأى أن هذه السيارة المميزة لا بد أن تُحمى من هجير الشمس، فبنى لها مظلة من الخرسانة المسلحة.
أوجد هذا النظام العجيب الذي نتفرد به الفرصة لأمرين مهمين. الأول هو اكتشاف وجود المدير العام بمجرد رؤية سيارته أمام البوابة. والثاني إفراد المديرين بمواقف خاصّة أمام مباني إداراتهم لدرجة أنك تضطر للسير في مضيق حتى تصل إلى بوابات بعض المباني.
ظهرت مشكلة جديدة وهي: مَن يقف أمام البوابة إذا كانت تشغل المبنى إدارتان لا ترتبط إحداهما بالأخرى، وهنا بدأ التنافس والتناحر لدرجة أن أحدهم كان يوقف سيارته أمام المبنى رغم عدم وجود مظلة تحمي السيارة مثل تلك الموجودة في المواقف الجانبية.
قدمت دورة تدريبية في أحد القطاعات الحكومية في “حل المشكلات”. حددت خمس مجموعات، وطلبت من كل مجموعة أن تختار مشكلة وتطبق عليها مهارات حل المشكلات. اختارت ثلاث من المجموعات مشكلة المواقف.
هذا التطور «المواقفي» يعاكس التوجّه العالمي الذي يميل للإنتاجية وليس «البرستيج». أذكر هنا مثلاً أن مواقف السيارات في شركة “نيسان” غير محدّدة فمَن يسبق للعمل يحصل على الموقف. بل إن التطور الأكبر الذي يدل على الحرص على وقت الدوام جاء من اليابان أيضاً، حيث يوقف القادمون للدوام مبكراً سياراتهم بعيداً عن بوابات الدخول ليسهلوا على زملائهم المتأخرين الوقوف والدخول إلى العمل.
جاء خبر إيقاف سيارة مدير إحدى الجهات الحكومية في جسر الملك فهد على خط المشاة أمام مدخل مسجد الجمعة ليذكر بالاختلاف بين الأمس واليوم، وما دام المدير مخالفاً. فلماذا نستغرب سلوك الذين يغلقون الشوارع كل جمعة؟
