سياسة «أرامكو» لا تسمح بهدر الطاقة

نشر البنك الدولي عام 2011 قائمة تضم العشر الأوائل من الدول التي تحرق كميات كبيرة من الغاز، ووصف ذلك بأنه هدر غير مبرَّر للطاقة. وكانت شركة أرامكو السعودية في المرتبة التاسعة في القائمة، رغم أن رقم كمية الغاز الذي ذكره البنك غير دقيقة ومبالغ فيها. حيث جاء في التقرير أن السعودية تحرق سنويًّا ما يقارب 3.7 مليار متر مكعبة من الغاز. وهو ما يمثل تقريبا 350 مليون قدم مكعبة في اليوم. وهذه الكمية تزيد على ضعفي ما يحرق فعلاً من الغاز من أجل سلامة المنشآت، حسب تقديري. وكاد الأمر أن ينتهي بالنسيان لولا أن أحد الإخوة المهتمين بشؤون مصادر الطاقة كتب تعليقًا نبه فيه إلى أهمية أن تراعي شركة أرامكو المصالح الوطنية وتقلل من "هدر الطاقة". وصوَّر الأمر وكأننا في عهد ما قبل نهاية السبعينيات عندما كنا نحرق معظم إنتاجنا من الغاز قبيل إنشاء مرافق تجميع الغاز العملاقة ووضع حد لإهدار هذه الطاقة. وفي الواقع أن سياسة "أرامكو" الآن لا تسمح على الإطلاق بهدر أي كمية من الطاقة دون أن يكون هناك ضرورة قصوى. ولكنها لا تزال تحرق كميات محدودة من الغاز كجزء من عوامل سلامة المنشآت النفطية. وهو أمر لا مفر من تنفيذه، وتمارسه عالميًّا جميع المؤسسات التي لديها مرافق نفطية دون استثناء. فالمنشآت النفطية التي تضطر إلى حرق كميات من الغاز تكون تحت أمرين. إما أن يكون لديها ضمن عملياتها أنواع من الغازات السامة التي يجب التخلص منها من أجل سلامة العاملين والمجتمع المحيط بالمنشأة، وإما أن تكون المواد الهيدروكربونية التي يتعاملون معها تحت ضغط كبير. وفي حالة حدوث خلل ما في المعمل أو المرفق يتطلب إيقاف العمل، فلا بد من فسح المجال للسوائل والغازات النفطية للهروب باتجاه موقع آمن من خلال فتح صمامات الأمان الأوتوماتيكية، بدلا من أن تتسبب في وقوع انفجارات كارثية ــــ لا قدر الله. وأفضل طريقة للتخلص منها هو حرقها حتى لا تنتشر في موقع العمل. وهذا بطبيعة الحال يتطلب وجود شعلة دائمة تبعد عن المعمل مسافة لا تقل عن 500 متر في نهاية أنابيب خاصة متصلة بالصهاريج داخل المعمل. وأحيانًا نكون في حاجة إلى أكثر من شعلة واحدة للمعمل الواحد. وقد توصلت "أرامكو" عن طريق الكثير من البحوث والدراسات العلمية والعملية والجهود المخلصة إلى مرحلة متقدمة من تخفيض كمية الغاز المطلوبة لبقاء الشعلة على قيد الحياة وجاهزة لحالة الطوارئ. والآن، وحسبما أفهم من خبرتي السابقة فإن الشعلة الواحدة تستهلك من الغاز في اليوم أقل من مليون قدم مكعبة. ولدى "أرامكو" ما يزيد على 100 شعلة في مختلف المرافق. مما يعني أن حرق الغاز الممنهج لا يزيد كثيرًا على 100 مليون قدم مكعبة في اليوم، مقارنة مع الرقم 350 مليون قدم مكعبة كما جاء في تقرير البنك الدولي. وهذه الكمية تمثل تقريبًا 1 في المائة من مجموع الإنتاج، وهي نسبة ضئيلة جدا إذا قورنت مع المجموع الذي يبلغ عشرة مليارات قدم مكعبة في اليوم أو بالمعدل العالمي الذي يبلغ 5 في المائة. وهناك عوامل لم تؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير حرق كمية الغاز في منشآت "أرامكو". فـ "أرامكو" أكبر شركة منتجة للنفط في العالم. وأحجام صهاريجها ومضخاتها وأنابيبها لا تماثله أي منشآت نفطية في العالم، وهو ما يزيد من صعوبة خفض كمية الغاز المطلوب لإحياء الشعلة. وقد أشادت مؤسسات عالمية أخيرا بشركة أرامكو حول جهودها لتقليل حرق الغاز إلى الحد الأدنى. وتُقدَّر كميات الغاز التي تذهب هدرا على مستوى العالم بنسبة 5 في المائة من الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي. أو ما يساوي 2.4 مليون برميل مكافئ.
وهناك دول كثيرة، مثل نيجيريا وروسيا والعراق وأمريكا ودول أخرى تحرق كميات هائلة من الغاز بسبب عدم وجود مرافق متكاملة لتجميع الغاز والاستفادة منه. وفي أمريكا الآن يتسبب إنتاج النفط الصخري من عشرات الآلاف من الآبار في حرق كميات كبيرة من الغاز المصاحب للسائل النفطي. حتى أنهم في حالات كثيرة يطلقون الغاز في الهواء دون حرق، ما يتسبب في حدوث تلوث بيئي في مناطق الإنتاج.
ولعل من نافلة القول أن نذكر أن شركة أرامكو، قبل أن تصبح مملوكة بالكامل للحكومة السعودية وإلى أوائل الثمانينيات، كانت من أكبر الشركات إحراقا للغاز المصاحب في العالم. والسبب أن الشركات الأمريكية التي كانت تمتلك الشركة لا ترى جدوى اقتصادية في الحفاظ عليه وتصنيعه، نسبة إلى ما كانوا يجنونه من إنتاج النفط الخام. مما اضطر الحكومة السعودية في وسط السبعينيات أن تصدر تكليفا رسميًّا للشركة ببناء مرافق تجميع الغاز وتحويله إلى المصانع البتروكيماوية الجديدة في الجبيل وينبع. وكان الشيخ عبد الله الطريقي ـــ رحمه الله ــــ قبل أن يصبح وزيرًا، قد أقنع شركة أرامكو في الخمسينيات بضرورة إنشاء مرافق حقن الغاز في حقول عين دار وبقيق كجزء من عملية الحفاظ على ضغط المكامن وتقليلاً للهدر المتعمَّد آنذاك.. فتم استغلال ما يراوح بين 15 و20 في المائة من مجموع الغاز. وبطبيعة الحال، فقد توقف الحقن بعد إكمال شبكة تجميع الغاز. ومنذ ذلك الوقت والشركة تبذل مجهودا كبيرا في الحفاظ على الثروة النفطية، سواء السائل منها أو الغاز، من الهدر غير المبرَّر. كما أن للشركة اهتمامات خاصة ومتميزة للحفاظ على البيئة.
ولذلك فنحن نهيب بإخواننا في دول الخليج العربي بأن يتولوا إنتاج ثرواتهم النفطية بأنفسهم ويتجنبوا قدر المستطاع المشاركات الأجنبية. ولا بأس من الاستعانة بالخبرات الفنية والإدارية الأجنبية بموجب عقود فردية يتم تجديدها حسب الحاجة إلى ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي