وذكاءُ السعوديين الصغار.. أيضا
.. لنعرّف الرياضيات بأقصر وأسهل ما يمكن. هي شغلٌ عقلي كامل، بل علم الرياضيات هو العلم العقلي الصافي الذي لا تشوبه شائبة. ودون علم الرياضيات لا يمكن أن يصل عالمنا لما وصل إليه. صحيح أنه قد يأتي من يقول كيف تدعي الصفاء، وقد استعمله السحرة، والخيميائيون؟ وهذا كله صحيح، ولكن إذا كان مجموع 2+2=4، فهنا شغل عقلي صرف، ولكن ماذا يُعمَل بهذه الأربعة فهو لا يخص علم الرياضيات من قليل أو كثير.
فالرياضيات باختصار هي دراسة الكميات العددية والعلاقات بينها وهو عالم واسع، والكميات الفراغية والعلاقات بينها وقد تكون عالماً أوسع. الكميات العددية علمها الحساب، والكميات الفراغية علمُها الهندسة. وإن سألت عن الجبر فسيقال لك إنه من علم الحساب.
ما هي مادة الدماغ؟ هي الجزء الخاص بالذكريات والذكاء، من دونها لا يكون الإنسان مكتملا. ولأننا كلنا مزودون بذكاءٍ إنساني عادي تختلف نسبه وتتداخل طيوفه، ولكن يبقى التفوق الرياضي من أيام حضارات المايا والفراعنة وما بين النهرين الذين قاسوا درجات الظل وقسموا الأوقات إلى يومنا، هو مقياس الذكاء الصرف، وبالتالي متفوقو الرياضيات الأعلى في قوس الذكاء، وأقول الذكاء وليس الحكمة والثقافة.
الصغار السعوديون، شادن نايف الشمري من حائل، وإبراهيم عبد الحفيظ خان من ينبع الصناعية، والزبير محمد حبيب الله، ومهدي عبد المحسن الشيخ من الأحساء، وعمّار علي القطري من الظهران، وماجد علي المرحومي من ينبع الصناعية، وكلهم طلبة ثانوي، فازوا أخيرا فوزا مبينا في أولمبياد الخليج الثالث للرياضيات نسخة هذه السنة 2014. وبفضل من الله ثم بفضل هؤلاء الصغار حصلت المملكة على المراكز الستة الأولى بأربع ميداليات ذهبية وميداليتين فضيتين. وترعي هذا العمل الذكائي مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة”.
أولئك الطلبة الأذكياء توزعوا على مناطق المملكة، وهم أذكياء يعتلون القوس القياسي للذكاء الذي صُوِّر في صدر المقال. ويبقى أن الذكاء كزمرد المناجم، لا نختلف على قيمته ولا ندرته ولا جماله بقيمته المستقلة، ولكن لا ننسى أن هذه الأحجار الكريمة تحتاج إلى تنقيب ومعرفة، وتهذيب وصقل حتى تخرج رونقا خاطفا للعيون.
وإني بلا شكّ مع الفرحين بفوز هؤلاء الصغار، ويبقى أن نسأل: كيف يمكن أن تكون عندنا دراسة مطبقة ومدللة ومقاسة تصل لكل مدرسة في البلاد وبيد كل معلم، فكم زمردة خبيئة تبقى مختبئة بين الصخور لأنه لم يأتِ من يعرف مواصفاتها فيقف عندها. كم جمجمة ذكاء مرت على فصول المدارس من البنات والبنين لم تصلها يد الخبراء العارفين ليصقلوها ويقدموها عبقرية خالصة ليس لنا فقط.. بل للعالم.
لماذا بعض المدارس تخرج التلاميذ الذين يفوزون.. وباقي المدارس لا؟
من هنا يبدأ البحث.