غياب البعد التنموي للتمويل الاستهلاكي
في مقال سابق بعنوان "التمويل الاستهلاكي .. بيئة مؤسساتية للإقراض"، أوضحت أن من بين أسباب توسع المصارف التجارية العاملة في السعودية في التمويل الاستهلاكي، نجاح مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" في إيجاد بيئة مؤسساتية لهذا النوع من التمويل أسوة بأنواع التمويل الأخرى، وفي قدرتها أيضا على استحداث صناعة للتمويل الاستهلاكي، تستند إلى معايير تمويلية صارمة، تضمنتها ضوابط التمويل الاستهلاكي الصادرة عن المؤسسة في عام 2005، وما سبقها وتبعها من تعليمات مشددة، استهدفت تنظيم سوق التمويل التي تعمل فيها المصارف التجارية في المملكة، وتقوم بموجب ضوابط التمويل الاستهلاكي بمنح التمويل لأفراد المجتمع.
وأوضحت في المقال ذاته أن تلك الضوابط، أسهمت بفاعلية إلى جانب وجود نظام المدفوعات "سريع" وسجل ائتماني للمقترض، الذي توفره الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية "سمة"، في نمو حجم محفظة التمويل الاستهلاكي، بأكثر من ثمانية أضعاف خلال العقد الماضي ليصل حجم التمويل إلى 332 ريالا ،خلاف قروض بطاقات الائتمان، بنهاية الربع الرابع من العام الماضي. وما أسهم أيضا في هذا النمو، الطلب المتنامي على ذلك النوع من التمويل من قبل الأفراد خلال تلك الفترة.
أخيرا وليس آخرا أوضحت في المقال، أن المصارف التجارية العاملة في المملكة، اتجهت إلى تنويع محفظة التمويل الاستهلاكي الممنوح للأفراد، ليشمل أكثر من نوع واحد من التمويل (عقاري، سلع معمرة، وأخرى، التي تشتمل على قروض تعليمية، وتأثيث المنازل وغيرها)، الأمر الذي قلل من مخاطر التركيز على منح القروض الاستهلاكية بمعناها ومفهومها الصِّرف. وما ساعد أيضا على توسع المصارف في منح القروض الشخصية، نسب التعثر المنخفضة Default Rate مقارنة بحجم المحفظة التي تقدر بنحو 1,5 في المائة.
وما يؤكد توجه المصارف التجارية العاملة في المملكة إلى تنويع محفظة التمويل الاستهلاكي للبنوك، بحيث لا يكون جل تركيز محفظة الإقراض على التمويل الاستهلاكي، توسع المصارف في منح التمويل العقاري للأفراد بغرض شراء وبناء المساكن الخاصة، حيث على سبيل المثال ارتفع حجم محفظة التمويل العقاري في المصارف بأكثر من 2,5 مرة خلال الفترة 2009 – 2013، ليصل حجم المحفظة بنهاية عام 2013 مبلغ 44,888 مليون ريال مقارنة بما كان عليه حجم المحفظة بنهاية عام 2009 بحدود 17,860 مليون ريال.
لكن على الرغم من ذلك التنويع في محفظة التمويل الاستهلاكي الممنوح للأفراد ليشمل ذلك أكثر نوع من أنواع التمويل بما في ذلك التمويل العقاري. إلا أن البعد التنموي للتمويل الاستهلاكي قد يكون مغيبا في العديد من المقالات والطروحات في إعلامنا المحلي، وبالتحديد التمويل العقاري بما في ذلك العديد من برامج المصارف وحلول التمويل العقاري المبتكرة، مثل برنامج التمويل الإضافي، الذي يتيح للعملاء الذين صدرت لهم موافقات بأحقية وجاهزية صرف قرض صندوق التنمية العقارية، وتنطبق عليهم الشروط الائتمانية للمصرف الحصول على تمويل عقاري إضافي إلى جانب مبلغ قرض الصندوق، بحيث يمكنهم ذلك من شراء المنازل المناسبة لاحتياجاتهم.
الكاتب الدكتور عبدالوهاب أبو داهش، في مقال له بعنوان "الاقتراض من البنوك .. قرارك المستقل"، الذي نشر في صحيفة "الرياض" في العدد 16709، عاب على الإعلام المحلي تبنيه وجهة نظر واحدة عند طرح أي من المواضيع الاقتصادية، وضرب مثالا حيا بالاقتراض من المصارف في تبني الاعلام إحدى الوجهتين. فهناك وجهة نظر تجلت في المصارف ليل نهار وتوصمها بالجشع وعدم خدمة المجتمع وتبنيها معدلات فوائد مرتفعة ومضللة. وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن المصارف لعبت دورا مهما في تمويل النمو الاقتصادي، وحافظت على ملاءة مالية عالية جنبت البلاد من انهيار تحقق في دول أخرى مجاورة، ناهيك عن اتباعها سياسة إقراض متحفظة تفاديا لحدوث أزمات محتملة في حال تعثر المقترضين. وفي رأي الكاتب، أن على الإعلام إبراز الإيجابيات والسلبيات لوجهتي النظر، ليتمكن الأفراد والمقترضون من التعامل والاستفادة من البنوك بطريقة واعية وعقلانية مع ثقة عالية بالتعامل. وأكد الكاتب أن الاقتراض من المصارف قد يكون إيجابيا جدا لبعض الأفراد، خصوصا إذا أحسن الفرد استخدام تلك القروض في شراء منزل أو سيارة ولديه خطة ادخار واضحة تنسجم مع دخله السنوي.
خلاصة القول، إن التمويل الاستهلاكي في حال حسن الاستخدام من قبل عملاء المصارف للأسباب التي منحت من أجله، وبالذات في مجال منتج وتنموي مثل شراء أو بناء مسكن، ستكون له دون أدنى شك أبعاد إيجابية على المقترض على المدى القصير والمتوسط والطويل، كون أن ذلك سيسهم بفاعلية في توجيه الاقتراض إلى اقتناء أصول معمرة تعود بقيمة مضافة على الفرد وعلى الاقتصاد والتنمية على حد سواء، وتساعد في الوقت نفسه على الادخار والاستثمار الشخصي. وبصدور أنظمة ولوائح التمويل الأخيرة، التي من بينها التمويل العقاري والسماح للمصارف بمزاولة التمويل العقاري بتملك المساكن لأجل تمويلها (استثناء من حكم الفقرة "5" من المادة "العاشرة" من نظام مراقبة البنوك) وفقا لنظام التمويل العقاري وما حددته اللائحة، يتوقع للمصارف المحلية التوسع في مجالات التمويل العقاري، ما سيضاعف الفوائد التنموية للتمويل الاستهلاكي، وبالذات في ظل توافر بيئة تمويل منظمة تتميز بمستوى مرتفع من درجات الإفصاح والشفافية.