لماذا يبكي طفل المبتعث؟
كانت ابنتي تقوم في أثناء دراستها الروضة في مانشستر في بريطانيا بعرض أسبوعي عن أي شيء أحبته الأسبوع الماضي بعنوان: (اعرض وتحدث) لمدة خمس دقائق. قدمت عروضاً عديدة عن كتب وشخصيات وأفلام وأطعمة وهوايات. تجلب صورة لما تحبه وتقوم بسرد تفاصيل عنه أمام رفاق فصلها الثمانية. تقوم المعلمة مع نهاية العام الدراسي بتحليل العروض التي قدّمها الطلاب كل على حدة، وتكتب تقريراً يوضح أهم ما يحب الطفل والتخصُّص المستقبلي الذي يلائم اهتماماته وشخصيته ومواهبه. تكتب المعلمة التخصّصات المناسبة للطفل بناءً على ما شاهدته ولمسته، لتساعد أولياء أمره على الاهتمام أكثر بتلك المسارات، والتفكير جدياً في أن تكون هي مصيره ومستقبله. إذ يتضح مبكرا بوادر شغف الطفل بتخصّصات محدّدة. فمَن يعشق الأرقام والرياضيات فهو قد ينحاز نحو المواد العملية، بينما مَن يسرف في الكتابة والخيال والقراءة فقد يفضّل المواد النظرية الأدبية.
أصدر الكاتب الأمريكي، كينيث ايبل، عام 1966 كتاباً قيماً بعنوان "التعليم الكامل"، تحدّث فيه عن أهمية الحب في التعليم وضرورة أن يبدأ المرء علاقته بالتعليم على نحو إيجابي. كلما عرفنا ماذا يحب الطفل مبكراً وركّزنا عليه، أوجدنا جيلاً لا يمقت التعليم.
التعليم لم يكن في الأساس ممضاً وعسيراً. نحن مَن جعلناه كذلك. وُجد التعليم ليساعدنا على الوصول إلى ما نبتغي. إذا خفنا من تسلق السلم لن نصعد إلى الأعلى.
ما يحدث لدينا أننا لا نعمل على استكشاف ميول الطالب المبكرة. نحشو في رؤوس الأطفال المعارف بطريقة ميكانيكية كأننا نجبرهم على أخذ دواء. فيتقيأون ما تعلموه دون أن يستفيدوا. العلم ليس دواءً. العلم طعام لذيذ. من المفضل أن يختاروا ما يشتهون منه بإرادتهم. إنه بوفيه مفتوح. الكل يأخذ ما يريد. المهم أن يخرج الجميع وهم قد أكلوا وتذوقوا واستمتعوا. ستبقى المناسبة في ذاكرتهم طويلاً. وسيظل المذاق خالداً في أعماقهم. سيتوقون إلى تكرار التجربة. لا أحد يشتاق إلى تجرُّع الدواء. إننا نشتاق إلى ما نحب.
هذا ما نريد غرسه في الناشئة. لكن قبل أن نبدأ في ذلك علينا أن نشتغل على البحث عمّا يحب الطفل؛ لنهتم به أكثر من غيره.
إذا تحوّلت علاقة الطالب بمدرسته إلى علاقة عشق ستصبح الرحلة إلى المدرسة نزهة. وإذا تحوّلت إلى علاقة روتينية ستصبح قطعة من عذاب.
إن أطفال المبتعثين يبكون عندما تأتي الإجازة. سيفتقدون معلميهم ومعلماتهم. موادهم والمرافق التي أحبوها، بينما أطفالنا في مجتمعاتنا العربية يبكون عندما تنتهي الإجازة لأنهم سيلتقون وشيكاً بكل ما يبغضون!