منطقة الشرق الأوسط تقود طفرة أنشطة التنقيب عن البترول
التنقيب عن حقول النفط والغاز خارج أمريكا الشمالية ضرب أعلى مستوى قياسي له في ثلاثة عقود، بقيادة برامج الاستكشاف والإنتاج الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. أكثر من 1300 منصة حفر كانت عاملة في المتوسط على مدى الأشهر الستة الماضية، هذا أكبر عدد من الحفارات العاملة منذ عام 1983. هذا العدد من منصات الحفر العاملة لا يشمل الحفارات العاملة على البر في الصين، روسيا، بحر قزوين وبعض البلدان الأخرى.
لقد ارتفع عدد منصات الحفر العاملة بنحو 20 في المائة مقارنة بعام 2008، وأكثر من الضعف منذ أن كانت عند أدنى مستوياتها في عام 1999. هذه الطفرة في التنقيب عن النفط والغاز تقودها منطقة الشرق الأوسط، حيث تضاعف عدد منصات الحفر العاملة ثلاث مرات منذ أن كانت في أدنى مستوياتها في عام 1999، وإفريقيا التي تضاعف فيها عدد الحفارات العاملة ما يقرب من أربع مرات. أكثر من 400 منصة حفر برية وبحرية كانت عاملة في منطقة الشرق الأوسط في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير)، وهذا أكبر عدد منذ أربعة قرون.
على مدى الأشهر الستة الماضية، بلغ عدد الحفارات العاملة في العراق أكثر من 90، مقارنة بصفر في عام 1999. في السعودية أيضا أكثر من 90 حفارة عاملة حاليا، ارتفاعا من أقل من 20 حفارة في عام 1999. الكويت شهدت أيضا طفرة في عدد الحفارات العاملة، حيث وصل عددها إلى 30 وحدة، تقريبا ثلاثة أمثال الحفارات العاملة في مطلع هذا القرن. في إفريقيا الجزائر وأنجولا تقودان الطفرة في عمليات الحفر، حيث تضاعف عدد الحفارات في كل منهما ثلاث مرات على مدى السنوات الـ 15 الماضية ليصل إلى 50 و13 حفارة على التوالي.
هذه الدول الخمس مسؤولة وحدها عن 30 في المائة من الزيادة في نشاط الحفر خارج أمريكا الشمالية منذ عام 1999. جميع هذه الدول عريقة في إنتاج النفط والغاز ومواردها النفطية مقيمة جيدا وتمتلك حقولا تقليدية عملاقة من النفط والغاز.
في السنوات الأخيرة، ركزت صناعة النفط على تطوير مكامن الصخر الزيتي غير التقليدية والموارد الصعبة تقنيا في المياه العميقة جدا قبالة سواحل أمريكا الجنوبية وإفريقيا، وكذلك على الموارد الموجودة في البيئات الصعبة مثل آسيا الوسطى ومنطقة القطب الشمالي. لكن الفترة الطويلة من ارتفاع الأسعار نشطت أيضا عمليات الحفر في بعض الموارد التقليدية القديمة جدا في بحر الشمال وغيرها. بعض عمليات الحفر مطلوبة للتعويض عن انخفاض الإنتاج في الحقول القديمة، التي ينخفض الضغط فيها وترتفع كميات المياه المنتجة، لذلك ارتفاع عمليات التنقيب ليس بالضرورة جميعها تسهم في زيادة الإنتاج. ليس خافيا على أحد أن الكثير من الحقول التقليدية غير المعقدة أو المعروفة بالنفط السهل easy oil قد استنزفت، لذلك هناك حاجة إلى مزيد من عمليات الحفر فقط للحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية، حيث تستهدف الشركات العاملة المكامن النفطية الأصغر والأعمق والأكثر تعقيدا من الناحية الجيولوجية.
مع ذلك، الحقيقة لا تزال باقية أن نشاط الاستكشاف والإنتاج آخذ في الارتفاع بقوة في بعض مناطق الصناعة النفطية الأكثر تقليدية. إن الخسائر في الإنتاج التي تكبدتها إيران، ليبيا، سورية وجنوب السودان الناجمة عن العقوبات والاضطرابات السياسية، طغت على الطفرة في عمليات الحفر والاستكشاف. لكن لو وضعنا جانبا انقطاعات الإنتاج الناجمة عن التداعيات الجيوسياسية، فإن الطفرة في عمليات الحفر عززت بشكل كبير جدا إمدادات النفط المحتملة على مدى السنوات الثلاث الماضية نتيجة الاستثمارات الضخمة.
منذ منتصف عام 2013، أعلنت معظم شركات النفط والغاز العالمية تخفيضات في برامج الإنفاق على مشاريعها الاستخراجية. في هذا الجانب، لاحظ عدد كبير من شركات الخدمات الهندسية للحقول النفطية ضعف الطلب على معدات المسح الزلزالي، أبراج الحفر والأنابيب. لذلك من المتوقع بعض التراجع في عدد أبراج الحفر العاملة في الأشهر المقبلة .
لكن التباطؤ في عمليات الحفر من المرجح أن يتركز بصورة كبيرة في المشاريع العملاقة، ذات الكلف العالية جدا التي تتطلب استخدام آفاق جديدة من التكنولوجيا الحديثة. ذلك أن نسبة المخاطرة إلى الربح لمثل هذه المشاريع المعقدة لم تعد تبدو جذابة للشركات العالمية، في ظل توافر الصخر الزيتي بكلف تحت 90 دولارا للبرميل وتصاعد تكاليف الخدمات الهندسية.
في حين أن الحقول التقليدية في منطقة الشرق الأوسط والحقول البرية في إفريقيا من المحتمل ألا تتأثر بهذا التباطؤ. في الواقع، الحقول التقليدية في هذه المناطق بدأت تبدو جذابة على نحو متزايد. في بعض الحالات، مثل السعودية، منصات الحفر المتعاقد عليها مع شركات النفط الوطنية محصنة نسبيا حتى في حالة دورة النفقات الرأسمالية التي تؤثر عادة في شركات النفط العالمية.
يبقى التحدي الرئيس الذي يواجه الشركات هو المخاطر الجيوسياسية، بما في ذلك التفاوض على العقود، الأمن واحتمال حدوث مزيد من الاضطرابات. مثل كل شيء آخر في صناعة النفط، الآثار الكاملة من الارتفاع الأخير في نشاط الاستكشاف، الإنتاج والتطوير ستشعر بها الأسواق في وقت لاحق. لذا من المتوقع أن تبقى أسواق النفط والغاز بحالة جيدة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، على الرغم من التخفيضات الحادة في الإنفاق الرأسمالي التي أعلنتها شركات النفط الكبرى أخيرا.
إن الاندفاع لرفع إنتاج النفط والغاز إلى الحد الأقصى منذ عام 2006، في ظل تضخم التكاليف، أدى إلى ضعف أداء أعمال الاستكشاف والإنتاج. إن صناعة النفط والغاز العالمية تتحرك الآن إلى المرحلة التالية من دورة الأعمال، حيث تتطلع الشركات إلى جني بعض الفوائد من الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها في السابق، في حين تبدأ التكاليف بالانخفاض وصولا إلى مستوى أكثر استدامة.