مجلس الأمن .. أكذوبة الأمن الدولي

اتخذ مجلس الأمن الدولي قبل أيام قراراً بالإجماع لمعاقبة الشركات التي تسهم في تهريب النفط الليبي خارج سيطرة الحكومة الليبية، وذلك على خلفية دخول السفينة الكورية إلى ميناء النفط الليبي دون علم وإذن من السلطات الليبية، وعندما أقول إجماع مجلس الأمن الدولي فأنا أقصد التوافق بين الدول الخمس، أو دول حق النقض المعروف بالفيتو.
قد يقول قائل إن مجلس الأمن مكون من 15 دولة، وهذا صحيح، لكن الأمر والنهي بيد خمس دول، أما العشر الباقيات فهي مجرد حاشية أو وصيفات تسير في فلك هذه الدولة أو تلك، وليس لها من الأمر شيء سوى هز الرأس إيماء بالموافقة على ما يريده السادة الكبار، وأحسنت المملكة صنعاً حين رفضت عضوية المجلس بغض النظر عن الاعتبارات التي كانت وراء الرفض.
مجلس الأمن الدولي عجيب غريب، يتفق ويختلف في قرارات لا تخدم الأمن الدولي الذي يدعي كذباً، وبهتاناً أنه يخدمه، لذا لا بد من البحث في الأسس والقواعد التي يفترض أن هذا المجلس يعتمدها، ويسير وفقها، الفلسفة التي يفترض أن توجه المجلس في عمله وقراراته هي حفظ الأمن الدولي، وفض النزاعات بين الدول على الحدود والمياه والمصالح، وإذا كانت هذه هي ما يجب أن تكون كفلسفة، لذا لا بد أن نسأل: مَن يحدد أن الأمن الدولي مهدد بفعل ما، أو نزاع، هل المجلس أو هيئة الأمم لديها تعريف واضح ودقيق بشأن الأمن الدولي، ومتى يكون مهدداً أو غير مهدد؟!
شواهد التاريخ ماضية ومعاصرة تقول إن من يقرر بهذا الشأن هي الدول الكبرى، رغم أن التسمية غير صحيحة، فالأولى أن تسمى الدول الغاشمة، أو الدول التي تمتلك القوة. خلال ثلاث سنوات من بدء الثورة السورية لم يتمكن المجلس من اتخاذ أي قرار يحمي السوريين من بطش النظام الذي مارس مختلف ألوان البطش والتنكيل والتدمير والتشريد للملايين ليهيموا على وجوههم باتجاه الدول المجاورة، ما يهدد أمن هذه الدول، وهذه إحدى مهمات مجلس الأمن الذي أوجد من أجله، لكنه لا يعمل لهذا الهدف.
حق النقض مكن روسيا والصين من معارضة أي قرار يستهدف النظام السوري مرات عدة، ما أطال المأساة التي يعانيها السوريون، كما أن الأزمة الأوكرانية أثبتت مرة أخرى أن حفظ الأمن الدولي ليس له مكان، لا فلسفة، ولا أهدافاً، ولا ممارسة، بل إن ما يوجه قرارات المجلس مصالح الدول الكبرى إذا جازت التسمية، فالكبير هو الكبير في أخلاقه وقيمه وممارساته وليس الكبير من يستخدم القوة للبطش والابتزاز وسرقة ثروات الشعوب الأخرى.
العدل والموضوعية يفترض أن يكونا أساس عمل المجلس، وليس امتلاك القوة، كما يحدث من ممارسات في الوقت الراهن، فاستخدام القوة خاصية من خصائص الشبيحة والبلطجية الذين يلجأون إلى عضلاتهم، وليس عقولهم وقيمهم وأخلاقهم.
في عالم كهذا تسيره القوة، وباسم مجلس الأمن، والأمم المتحدة لا بد لأمتنا العربية والإسلامية أن يكون لها مكان في عالم تحول إلى ما يشبه الغابة، إذ إن اعتبار مجلس الأمن ملاذاً للمظلومين لا مكان له في القاموس الدولي، ومن لا يمتلك القوة تتقاذفه رياح مصالح الدول الغاشمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي