أم مروان .. الأم الحديدية

تزوجت رحاب الشمري وعمرها 17 عاماً. أنجبت ابنها البكر مروان وكان يعاني مشكلة في الشبكية. كان يبصر لكن بصعوبة بالغة. واجه تحديات بالغة عند دخوله المدرسة بسبب متاعبه مع النظر. فقد القدرة نهائياً على الإبصار من عينه اليسرى إثر تأخر مواعيد المستشفى والإهمال الطبي، الذي رزح تحت وطأته. اضطر إلى الانتقال إلى مدرسة خاصة للمكفوفين بعد أن ضاق ذرعاً بتعليقات رفاق فصله على معاناته.
رزقها الله بعد مروان منيرة، التي لم تكن تعاني أي صعوبات ومشكلات. أنجبت بعدها مشعل، الذي وُلد كفيفا. أدركت بعد مشعل أن مرض طفليها وراثي. فقررت عدم الإنجاب. لكن إرادة الله كانت فوق كل شيء فقد حبلت بابن ثالث. معاناة مساعد نسخة من مشكلة ابنها الأكبر مروان.
كانت تدرس الثانوية وتقوم بتربية أطفالها الأربعة. لم يكونوا أطفالاً طبيعيين. نشأتهم تتطلب مجهوداً مضاعفاً وعملاً مكثفاً. مواعيد في مستشفيات ومعلمون خاصّون وصبر كبير في ظل إمكانات متواضعة وظروف حالكة. المسؤولية جسيمة ولا سيما في ظل انشغال زوجها العملي وارتباطاته الكبيرة ويتمها. واجهت عاصفة التحديات وحدها كريشة وسط ريح.
لكن كانت تستمد قوتها من التطور، الذي يبدو على أطفالها. لقد أتقنوا القراءة بطريقة برايل. والتحقوا بحلقات تحفيظ القرآن وباتوا يحفظون أجزاء عديدة ويرددون الآيات والسور في خطواتهم ورحلاتهم ذهاباً وإياباً إلى المدرسة. سعدت رحاب باستجابة مروان للعلاج واستعادته التدريجية حاسة البصر. يدرس مروان الثانوية ويكتب في صحف إلكترونية عدة ويتألق في "تويتر" ويتطلع إلى دراسة القانون ومواصلة دراسته العليا تكريماً لأمه. أما مشعل فحفظ القرآن وعمره لم يتجاوز 14 عاماً، ولديه قناة على يوتيوب يقدم فيها شروحات للآيفون. خطبت وده شركات يابانية وكورية للعمل معها؛ إثر نبوغه رغم الظروف والتحديات، التي يعيشها. وتشعر رحاب بسعادة كبيرة بفضل عدوى التألق التي انتقلت إلى ابنها مساعد، الذي يقتفي أثر شقيقيه.
كانت تبكي فرحاً كلما شاهدت أبناءها يصعدون رغم العراقيل التي تواجههم. لم يكونوا يصعدون سلماً بل يتسلقون جبلاً.
بعد أن اطمأنت أم مروان على مستقبل أبنائها حرصت على أن تعمل بشهادة الثانوية العامة وفي الوقت نفسه تتابع دراستها الجامعية إلكترونياً؛ لتكون مثلاً إيجابياً لأولادها. العقبات تجعلنا أقوى وأكثر إرادة.
التقيتها على هامش معرض كتاب أقامته جامعة الملك سعود للعلوم الصحية بالأحساء ووجدتها شخصية متفائلة ملهمة.
إن مجتمعاتنا بحاجة إلى إبراز هذه الشخصيات وتكريمها لأنها الضوء الذي ينير عتمة إحباطاتنا والإلهام الذي قد يشع في الصدور المظلمة.
الابتلاء في أحيان كثيرة لا يعني نهاية الإنسان وإنما بداية طموحه.. يؤلمه لكن يقويه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي