كتاب جديد للدريس.. «حروب الهويات الصغرى»

كتاب جديد للدريس.. «حروب الهويات الصغرى»

كتاب جديد للدريس.. «حروب الهويات الصغرى»

كتاب زياد الدريس هذا عصيٌّ على التصنيف مثل شخصه وشخصيته. فهو ينتقل بالقارئ من اختراق إلى آخر، ومن إزعاج مبهج وجريء إلى آخر لا يقل ازعاجا وجرأة، فهو ليس ليبراليا ولا متشددا ولا سلفيا ولا غير سلفي، ولا حزبي ولا غير حزبي، ولا أبيض ولا أسود.. إلى آخر الثنائيات الناقضة والمنقوضة. هل هذا هروب؟ نعم، هو هروب إلى الحرية، وهي الحرية المسؤولة التي لا تحددها غير إنسانية الإنسان". هكذا يصف المفكر العربي الدكتور رضوان السيد كتاب الدكتور زياد الدريس "حروب الهويات الصغرى"، الذي وضع له المؤلف عنوانا صغيرا إضافيا هو "في مكافحة التصنيفات الإقصائية"، ثم يختتم السيد تقديمه للكتاب بشرط يراه محققا للمتعة "إذا أردتم الاستمتاع بقراءة مقالاته ومقولاته في هذا الكتاب، فعليكم أن تنفضوا عن كواهلكم كل أنواع الخوف الأصلي، وفي طليعتها: الخوف من الحرية". #2# وفي ثنائية ثقافية محايدة، لكنها تبدو مقصودة، يهدي الدريس كتابه لعلامة التسامح الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز "عرفاناً بنقائه وصدقه .. وقدرته على قبول الآخرين"، ثم يستهل الكتاب باقتباس مركّز وهادف من كتاب "الهويات القاتلة" لأمين معلوف يقول فيه: "لقد علمتني حياة الكتابة أن أرتاب من الكلمات، فأكثرها شفافية غالباً ما تكون أكثرها خيانة. وإحدى هذه الكلمات المضللة هي كلمة (هوية) تحديداً، فنحن جميعاً نعتقد أننا ندرك دلالتها، ونستمر في الوثوق بها وإن راحت تعني نقيضها بصورة خبيثة"، ذلك أن نظرتنا هي التي غالباً ما تسجن الآخرين داخل انتماءاتهم الضيّقة، ونظرتنا كذلك هي التي تحرّرهم". قصة تأليف هذا الكتاب تشكلت عند زياد الدريس بعدما كتب مقاله الشهير"السلفية" .. هل هذا وقتها؟"، الذي نشره في صحيفة "الحياة" في يناير 2012. وقد ثارت ضجة كبيرة ضد المقال ومعه، لم تخل ردة الفعل تلك من أساليب إقصائية وتخوينية، دفعت الدريس إلى اتخاذ قراره بتأليف كتاب عن التصنيف الإقصائي، الذي تأزم أكثر مع أعراض الربيع العربي وتحولاته الدراماتيكية. وقد سطر المؤلف كتابه هذا على نسق فصول قصيرة في شكل مقالات منفصلة، نشر الدريس معظمها في زاويته الأسبوعية في صحيفة "الحياة" خلال العامين الماضيين، قبل أن يصدر الكتاب كاملاً هذا الشهر متزامنا مع معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام 2014. وشخص الدريس في كتابه آفة التصنيفات الحزبية والفئوية، ولا يزعم بأحاديثه علاجا ــ كما يقول ــ لكنه أراد "الإسهام في تشخيص الآفة مما يسهل للآخرين علاجها". وعلى الرغم من عمق ومفصلية موضوع الكتاب الذي يأتي في توقيت ذهبي وخطير، لجهة تزامنه مع احتداد نبرة التصنيف الإقصائي في المجتمع، والانشغال الرسمي والشعبي بمجرياتها المقلقة للأمن الوطني. وتحت عنوان "حزب مكافحة الحزبية"، يتطرق الدريس إلى ازدواجية عجيبة، إذ إن من كان يعوّل عليهم في مكافحة الحزبية أصبحوا الآن هدفاً للمكافحة. وتأخذك بقية العناوين: "مطاردة الهويات الصغرى"، "كيف تتصدى لتهمة الإخونجية"، "الإصلاح في الخليج زندقة أو أخونة"، "نظرية المؤامرة .. طبعة جديدة"، "المعقِّب الثقافي"، "الغول والعنقاء والمعارض المنصف"، وغيرها من العناوين إلى حوار هادئ يبحث عن قارئ لديه القابلية للحياد. وفي الفصل الأخير من الكتاب تحت عنوان "رسالة إلى المعتدل"، ــ كان ينوي المؤلف جعله عنوان الكتاب ــ يضع زياد الدريس خلاصة رسالته إلى القارئ: "عزيزي المعتدل، أو من يسعى إلى الاعتدال والوسطية في آرائه ومواقفه: تماسَك وتشبّث بمبدئك. فالواقع المحيط والمحتقن والمتشظي بين الطرفين، أو التطرّفين، سيسعى بكل قوة ودناءة لإفقادك توازنك المحمود والمحسود على كرسي الوسطية والاعتدال. سيتهمك هؤلاء بأنك مع أولئك، ويتهمك أولئك بأنك مع هؤلاء، وأنت لست مع هؤلاء ولا أولئك، أنت تسعى لأن تكون مع الحق والصواب أيّاً كانت جهته.. الإسلامي سيشنّع عليك ويسخر من اعتدالك بقوله: هذا صراع بين الإسلام والكفر، وبين الحق والباطل، والليبرالي سيردّد عليك أيضاً الشعار الإمبريالي المناقض لليبرالية: إذا لم تكن معي فأنت ضدي. لا تخضع ولا تستجب لهذه التهديدات الإقصائية، فالإقصاء لم يعد حكراً على طائفة واحدة كما كان يُشاع، بل حتى الفئة التي كانت تشنّع على الأولى إقصائيتها، عندما حمي الوطيس وفاحت الأخلاق الحقيقية، أصبح كلا الطرفين يغرف من المنبع التصنيفي/ الشمولي نفسه".
إنشرها

أضف تعليق