أزمة المعلومات.. في مؤسساتنا السعودية
نستطيع القول إن كل المشاكل التي يعانيها الناس في أي وقت من الأوقات، وفي أي حقبة من الحقب ما هي إلاّ نتيجة من نتائج غياب المعلومات أو لنقل فساد المعلومات، ولذلك حتى َنبْرَأ من مشاكلنا فإنه يتعين علينا أن نناقش مشاكلنا مناقشة معلوماتية.
وإذا اخترنا رزمة من مشاكلنا الواقعية وحللناها تحليلاً معلوماتياً فإننا سنقف على الأسباب التي أدت إلى فشل هذه المشروعات وهو بالتأكيد عجز في المعلومات أو غياب كامل لها.
لنأخذ كارثة السيول التي اجتاحت شرق مدينة جدة في عام 2009 ودمرت الطرقات والبيوت وأودت بحياة أكثر من مائة شهيد، فإننا نجد أن أسباب هذه الكارثة هو نقص المعلومات أو لنقل لم تكن هناك معلومات متاحة لدى الجهة المسؤولة عن التخطيط والبناء، وهي هنا أمانة مدينة جدة، وباختصار الأمانة لا تعرف أي شيء عن السيول وممراتها ولا تعرف مجاريها ولا مصارفها ولا حجم الأضرار التي يمكن أن تُحدثها ولا تعرف شيئاً عن مواسمها واحتمالات تدفقها وجريانها، وإذا وجدت معلومات فهي معلومات مضللة تُعطي لفئة من الناس حق التخطيط والبيع في الأراضي المتوقع أن تمر في خلالها السيول الجارفة، ثم يستمر التضليل في المعلومات ويعطى المواطن البريء صكوكاً للتملك وتراخيص للبناء والسكن فوق فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أي وقت!
دعونا نتذكر الحريق الذي اشتعل قبل عشر سنوات تقريباً في إحدى مدارس البنات في مكة المكرمة، ثم لنضع هذه الكارثة في المشهد المعلوماتي، أولاً المعلومة الوحيدة والمغلوطة التي كانت لدى حارس المدرسة هو أنه لا يسمح بخروج الطالبات من فناء المدرسة مهما كانت الأسباب حتى ولو كان السبب حريقاً يحرق الجميع، النقص في المعلومات يتمثل أيضاً في طرق الاستغاثة والإبلاغ فهي طرق تقليدية بالية أهمها أن رقم تليفون الدفاع المدني لم يتوافر في المدرسة إلاّ عن طريق السنترال المركزي المشغول أبداً، النقص في المعلومات ـــ بعد ذلك ــــ يتواصل حتى عربات الحريق وتجهيزاتها التي كانت تفتقد معلومات عن كفاءة الأجهزة وجاهزيتها وسلامة الخراطيش، ومدى مواءمة موارد المياه في موقع الحريق لاستخدامها بكفاءة في عمليات إطفاء الحريق، إن غياب المعلومات فاقم الكارثة وجعلها تقضي وتصيب بنات في سن الورود. كما أن مشكلة التعليم وهو حجر الأساس في مجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات الذي نتمناه، إن التعليم يقوم على قواعد تفتقر إلى المعلومات الرصينة، ولذلك نلاحظ بأن أهم المقررات استبعدت من مناهج التعليم، بينما ركضنا وراء مقررات لا تسمن ولا تغني من جوع، أكثر من هذا أن كثيراً من المدرسين كانوا على درجة لا يحسد عليها من ضآلة المعارف والمعلومات، وكانت المحصلة الطبيعية هذا الكم الهائل من الطلاب ضعيفي البنية التعليمية، وبالتالي ضعيفي المساهمة في التنمية المستدامة!
ونجد أن مشكلة البطالة مشكلة تراكمية، فلا توجد أرقام صحيحة عن البطالة، كما لا توجد أرقام صحيحة عن سوق العمل السعودي، وليس لدينا بيانات دقيقة عن معدلات الزيادة في عدد السكان، ولا توجد إحصائيات عن عدد الشباب والشابات، ولا توجد معلومات موثقة عن عدد ونوع الوظائف التي يسأل عنها سوق العمل، بل إن إحصاءات الوافدين مختلف عليها من وزارة إلى أخرى، والفرق كبير بين وزارة تقول إن الوافدين في المملكة ستة ملايين، وجهات أخرى تقدر الوافدين بـ 12 مليون نسمة، وهكذا فإن ما هو متاح هو فساد وتدليس في المعلومات.
ثم لنأتِ إلى المشكلة المشتعلة الآن في مجتمعاتنا الخليجية، التي تنذر بعواقب وخيمة إذا لم نقف على المعلومات الدقيقة التي تساعدنا على الوصول إلى حلول معلوماتية موضوعية وشفافة.
إن هذه المشكلة رغم ضراوتها، فإنها ستظل مشكلة عاتية بدون حلول طالما أن جانباً كبيراً من المعلومات لم يتوافر عنها حتى الآن، ونلاحظ أن الكثير يضع حديث رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ "اتركوها فإنها مُنتِنَة" في مقدمة تحليله للمشكلة ثم يحاول تشريح المشكلة، ولكن قبل الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف يجب أن نتعامل مع المعلومات. إننا حينما ننظر إلى الكيفية التي تمت بها إدارة المعلومات في هذه الكوارث نجد أنها دراما تقدم مشهداً معلوماتياً بالغ السوء والبؤس، إننا باختصار أمام قضايا تغيب عنها المعلومات! ويجب ألا يغرب عن بالنا أن قضية حرية الوصول إلى المعلومات على المستوى الدولي تحظى باهتمام بالغ، حيث نص إعلان القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت في جنيف في عام 2003 في بندها الأول والثاني على ما يلي: يرتكز مجتمع المعلومات على الناس، ويستطيع كل فرد فيه أن يصنع المعلومات والمعارف، وأن مجتمع المعلومات يقوم على المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن يكون المواطن قادراً على تحقيق النفاذ الشامل إلى المعلومات واستخدامها في خلق المعارف وتجميعها ونشرها. في ضوء ذلك، فإن الدولة في حاجة إلى إعادة النظر في منظومة المعلومات وإعادة هندسة مراكز المعلومات في جميع مؤسساتها على اعتبار أن أكثر من 92 في المائة من المعلومات موجودة في مؤسسات الدولة، ونعرف بأننا نعاني إرثا بيروقراطيا رسخ في المجتمع ثقافة مضادة لحرية تداول المعلومات، وجعل كل المعلومات محرمة، لأنها جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني، ولذلك نحن في حاجة إلى نظام يفصل بموضوعية بين المعلومات، التي تستحق الحجب، والمعلومات التي يجب أن تكون مشاعة ومتاحة، نحتاج إلى نظام يعطي للمواطن حق الحصول على المعلومات وتحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي أسوة بكل الدول المتقدمة التي تحرص على تزويد مواطنيها بالمعلومات وتعتبر حصول المواطن على المعلومات من حقوقه الوطنية المشروعة.
ولذلك إذا أردنا أن نصل إلى حلول ناجعة فلا بد أن تكون بين أيدينا معلومات شافية وافية، وفي ضوء هذه المعلومات الشافية الوافية تسهل علينا كتابة روشتة الحلول والعلاج.