متى نحتفل بعيد النخلة السعودية؟
تحتل النخلة في حياة الإنسان السعودي مكانة تاريخية أثيرة، فهي الغذاء، وهي الواحة الجميلة، وهي الجمال الأخاذ الذي نزين به بيوتنا وشوارعنا وصواليننا، وقبل ذلك وبعده هي التاريخ الأزلي القديم والتاريخ المعاصر الوثير.
لقد عرفت النخلة في شبه الجزيرة العربية منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، وكانت أولى النباتات التي عاشت وترعرعت في حضن الإنسان العربي القديم، ويومذاك قدمت للبشرية العربية وما زالت خدمات جليلة حتى تحقق على يديها الكثير من الانتصارات على قوى الطبيعة البدائية العاتية.
الإنسان السعودي كبر وترعرع مع النخيل وارتزق وتغذى من الطرح المثمر الذي يطرحه النخيل، وصدق الله -سبحانه وتعالى- القائل "والنخل باسقات لها طلع نضيد"، ومعناها: الباسقات الطوال التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء حتى تبلغ مبلغاً لا يبلغه كثير من الأشجار فتخرج من الطلع النضيد في قنانها ما هو رزق للعباد قوتاً وأدماً وفاكهة يأكلون منه ويدخرون.
"وفي ذلك إشارة إلى القدرة الإلهية المبدعة التي تتجلى في خلق النخلة الباسقة، بهذا الطول الفاره، ما جعل من النخل مضرب المثل في القرآن الكريم الذي ذكره في 20 موضعا، وفضله دوما على غيره من أنواع الزروع والفاكهة، فمن القدرات الظاهرة للنخل ثباته في الأرض، وارتفاعه فوق سطحها، ومقاومته للرياح، وتحمله للحرارة الشديدة والجفاف، ووفرة إنتاجيته تحت أقسى الظروف، وتعدد أشجاره وثماره شكلا ولونا وطعما وحجما وفائدة، وتعدد الفوائد المرجوة من كل جزء من أجزاء شجرته المباركة".
ولكن رغم ذلك فإننا في المملكة العربية السعودية لم نحتفل بالنخلة ولم نخصص يوماً في السنة للاحتفال بالنخلة السعودية الباسقة ولم نجدد رعايتها، ونعيد هيكلتها، ونقنن بزوغها ونسعى إلى تثميرها وتجديدها.
وأذكر أننا حينما كنا في الولايات المتحدة ننهل من مناهل المعرفة فوجئنا -في يوم من الأيام- بمجموعة من الأخبار تقتحمنا وتنشر بيننا خبراً يقول إن الولايات المتحدة ستحتفل بعيد النخلة العربية، ويومذاك شدنا الخبر، فنحن نعرف أن الحصان العربي يحتل شهرة طاغية في مضامير السباق في جميع أنحاء العالم، أما وإنّ النخلة العربية تحتل أيضاً نفس هذه المكانة عند الأمريكان، فهذا شيء جديد علينا ويسعدنا.
طبعاً كان هذا الخبر مفاجأة لنا، فحزمنا أمرنا إلى الذهاب إلى مدينة أنديو في ولاية كاليفورنيا لنحتفل مع الأمريكان بعيد النخلة العربية.
كنا مجموعة من المبتعثين الزملاء الدكتور محمد حيدر مشيخ والدكتور محمد صبيحي والدكتور طلال عشقي وغيرهم ممن لم تحضرني أسماؤهم الآن، وحزمنا الأمر وذهبنا وعائلاتنا إلى مدينة أنديو للمشاركة في الاحتفال بعيد النخلة العربية.
وفي مدينة أنديو فوجئنا بمجموعة من المفاجآت الجميلة، المفاجأة الأولى كانت تتمثل في أن الأشخاص الذين كانوا يقومون على خدمة المزارع هم من الأشقاء اليمنيين، قالوا لنا إنهم قدموا مع النخيل من الجزيرة العربية في الثلاثينيات الميلادية، وإنهم عاشوا وأنجبوا وتأمركوا حتى جاءتهم الجنسية الأمريكية على طبق من ذهب.
كان الأشقاء اليمنيون يتكلمون الإنجليزية بطلاقة، وكانوا يلحنون في اللغة العربية وإذا تذكروا بعض الكلمات العربية فإنهم "يتكلجون"، ثم كانت المفاجأة الثالثة أن أسماء الطرح الذي يطرحه النخيل العربي قد احتفظ بالأسماء نفسها التي نعرفها في المدينة المنورة والقصيم والأحساء مثل البرحي والخلاص والسكرية والصقعي والعجوة والصفاوي ولبانة والبلح، أمّا المفاجأة الرابعة فكانت مفاجأة أمريكية بحتة فقد أنشأوا مراكز علمية متخصصة للأبحاث الزراعية كما أنشأوا مصانع لصناعة التمور، واستطاعوا أن يرفعوا درجة الجودة في إنتاج التمور إلى أعلى المستويات، ولعبت وزارة الزراعة الأمريكية دوراً مهماً في نشر زراعة النخيل في أمريكا، حيث قامت بتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بالنخيل والتمر، خاصة عن طريق محطات التجارب التابعة لها في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا اللتين لهما دور مهم في تطور زراعة النخيل، خاصة في مجال الأبحاث التطبيقية التي تؤثر في نمو النخيل، وأيضا راعنا أن هناك خدمات متميزة تقدمها مصانع التمور لعملائها من أهمها توصيل الطلبات إلى المنازل.
والحقيقة أننا سعدنا بهذه الخدمات، لأنها كفتنا مؤونة استجلاب التمور من المملكة في شهر رمضان المبارك، وكنا نهاتف المحال تليفونياً فتصل طرود التمر -بكل أشكالها وأنواعها البراقة- حتى أبواب البيوت، وكنا ننعم بالتمر العربي ذي الجودة الأمريكية العالية.
وبالنسبة للولايات المتحدة فلم تعرف أمريكا النخلة إلاّ منذ قرن ونصف القرن تقريباً، حيث قام باحثون أمريكيون بشرائها ونقلها من البلاد العربية واستزراعها في العالم الجديد ثم العكوف على تحسين سلالاتها وحمايتها من الآفات بشبكة من الأبحاث العلمية التي تحافظ عليها وتجود إنتاجها وتفتح أسواقاً لها حتى أصبحت أمريكا اليوم واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للتمور على مستوى العالم.
وإذا عدنا إلى النخيل في المناطق السعودية الأربع المدينة المنورة والقصيم والأحساء والباحة نلاحظ أن هناك تحسناً ملحوظاً قد طرأ على زراعة النخيل وعلى تحسينه وتجهيزه وتغليفه بشكل يعطينا الحق في المطالبة بتعيين يوم في السنة، كي نحتفل فيه بعيد النخلة السعودية، وأتمنى أن تتبنى وزارة الزراعة هذه المهمة وتعلن عن اليوم الذي تراه مناسباً كي نحتفي ونحتفل بالنخلة العزيزة على قلوبنا ونفوسنا الملتاعة بحب التمور.