الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الأحد, 14 ديسمبر 2025 | 23 جُمَادَى الثَّانِيَة 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين8.5
(-0.58%) -0.05
مجموعة تداول السعودية القابضة153.7
(-3.88%) -6.20
الشركة التعاونية للتأمين121.9
(-0.89%) -1.10
شركة الخدمات التجارية العربية126.8
(-0.39%) -0.50
شركة دراية المالية5.35
(0.19%) 0.01
شركة اليمامة للحديد والصلب32.2
(-4.73%) -1.60
البنك العربي الوطني21.8
(-3.54%) -0.80
شركة موبي الصناعية11.3
(3.67%) 0.40
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة30.82
(-5.75%) -1.88
شركة إتحاد مصانع الأسلاك20.91
(-3.46%) -0.75
بنك البلاد25
(-3.47%) -0.90
شركة أملاك العالمية للتمويل11.29
(-0.27%) -0.03
شركة المنجم للأغذية53.15
(-1.21%) -0.65
صندوق البلاد للأسهم الصينية11.86
(1.37%) 0.16
الشركة السعودية للصناعات الأساسية54
(-1.19%) -0.65
شركة سابك للمغذيات الزراعية115
(-0.95%) -1.10
شركة الحمادي القابضة28.46
(-1.11%) -0.32
شركة الوطنية للتأمين13.3
(1.92%) 0.25
أرامكو السعودية23.89
(-0.04%) -0.01
شركة الأميانت العربية السعودية16.65
(-2.80%) -0.48
البنك الأهلي السعودي37.58
(-1.78%) -0.68
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات29.34
(-1.41%) -0.42

"أكتبُ من أجل أن أقول شيئاً جديداً وجميلاً، من أجل أن أتسلّق الكلمة وأوغل في اللغة.. وأقول لقلوب الأطفال هذا أنا، وهؤلاء أنتم وهذا الشعر". هكذا يُلخّص الشاعر محمد الثبيتي أغراض الكتابة لديه دون تكلف في الغاية أو الوسيلة. الثبيتي صاحب الجسد النحيل والتقاسيم البدوية الحادة، عُرِف أيضًا بخطه الجميل وبتفضيله الكتابة على ورق أبيض نظيف غير مسطر وبقلم رصاص مبري جيداً.

وُلد محمد عواض الثبيتي في عام 1952 في منطقة الطائف، وعاش في مكة. عمل في التعليم وحصل بالانتساب على بكالوريوس في علم الاجتماع، وصدر له من الدواوين: "عاشقة الزمن الوردي" 1982، "تهجيت حلما.. تهجيت وهما" 1984، ثم "التضاريس" 1986، الذي ثار حوله كثير من الجدل، ليتوقف بعده فترة طويلة، تخللها بعض النصوص، حتى إصدار آخر دواوينه "موقف الرمال" 2005.

يتحدث الثبيتي عن بدايته "الصادقة والحقيقية" ـــ كما يسميها ـــ في عالم الشعر، فيقول إنها كانت "عندما اكتشفتُ القصيدة الحديثة، بعد تجاوزي نزار قباني، وخاصة بعد قراءتي للسياب والبياتي اللذين وضعا قدميَّ على الطريق السويّ للشعر".

وتأكيداً على هذا الاكتشاف الحدَاثي نجده يستهلّ ديوانه الأول "عاشقة الزمن الوردي" بمقدمة يوضّح فيها تعمده منح التفعيلة في هذا الديوان "حرية أكبر لتمتد وتنحسر بحسب ما تُمليه "الحالة الشعرية" حتى تتمكن من احتضان التجربة الإنسانية وبلورتها". ثم يضيف أنه لم يأت بجديد، فالشعر الحر "أصبح واقعا عملاقا وعلامة بارزة في الشعر العربي، بل إنه أصبح الينبوع الأعذب والتيار الأقوى على مواكبة الواقع الحضاري والحياة المعاصرة".

وعلى ذات المنوال الحداثي ولكن بنفَس أكبر هذه المرة صدر له ديوان "تهجيت حلما، تهجيت وهما"، مُستهلا إياه بإهداء لابنيه يوسف ونزار. وهذا ما فعله أيضًا في ديوان التضاريس المثير للجدل الذي أهداه لابنته هوازن، مع قصيدة خاصة بعنوان "هوازن فاتحة القلب". "الثبيتي بيتوتي بطبعه" هذا ما تخبر عنه زوجته أو "صاحبته" كما سمّاها الثبيتي، حين أهداها بخط يده المجموعة الكاملة لدواوينه الصادرة عن نادي حائل الأدبي.

إذن، الحداثة لدى الثبيتي لا تقف عند التجريب الشعري فقط، بل تتعداه لتشكل قناعة بطبيعة الحياة المعاصرة وضروراتها الشعرية خصوصا، واللغوية عموما. يقول الناقد سعيد السريحي عن تجربة الثبيتي الحداثية: "الثبيتي يُعيد قراءة التراث عبر لغته المنتسِبة ألفاظًا وتراكيب للتراث، ولكن قراءته للتراث كسر لجبرية المعنى، وبمثل هذه القراءة تتم إعادة إحياء التراث".

هذه المحاولات المحلية لإعادة إحياء التراث باستخدام أدوات وألفاظ التراث ذاته (الحداثة) هو ما طبع مرحلة الثمانينيات، ليس لدى الثبيتي فقط ولكن لدى كثير من شعراء وأدباء ونقاد تلك المرحلة. وهو أيضًا ما أثار ضدهم كثيرا من الهجوم بدعوى "التغريب" والفسوق. فكان أن أُلغيت الأمسية التكريمية التي استحقها الثبيتي إثر حصول ديوانه "تضاريس" على جائزة "الإبداع"، ليتم تهريبه من الباب الخلفي للنادي الأدبي في جدة، تجنبًا لـ "المحتسبين" الساخطين داخل أروقة النادي، فيما تحولت المناسبة التكريمية، في الليلة ذاتها، إلى دراسة حول الشعر "الجاهلي"!

لم تنته الحادثة هنا، بل تم استدعاء الثبيتي لمركز الهيئة لسؤاله حول ما "يعنيه" في كثير من نصوص "التضاريس". ثم تمت إحالته للمحكمة. وهنا يُثني الثبيتي على القاضي الذي رفض نظر القضية لعدم الاختصاص.

بعد توقف طويل أملته طبيعة الثبيتي وشاعريته التي لا تحتمل تلك الملاحقات والظروف المشحونة، يعود الثبيتي ليستذكر في حديث مع مجلة "فواصل" (2006) حادثة تهريبه تحديدًا، فيقول الثبيتي ـــ ساخراً ـــ إنه لم يغضب، بل شعر بأنه "رجل مهم". وهذا بالفعل ما يعرفه عنه كثير من المقربين، فهو هادئ الطباع، لا يحفل كثيرا بالصراعات أو بالجوائز والمناسبات الثقافية، بقدر ما يحفل بأبنائه وبيته، بمكتبته وعزلته.

وفي حوار مع صحيفة "الحياة" (2008) يقول الثبيتي "لستُ مغرماً بالجوائز، ولم أبحث عنها، ولا أشغل نفسي بها، فمهمتي الأولى تقديم نص جيد، احتراماً لذائقة المتلقي، وما نلتهُ سابقاً وربما ما سأناله لاحقاً، يدخل دائرة التقدير والتتويج لمرحلة الثمانينيات والقصيدة الحديثة، وليس تكريماً لمحمد الثبيتي شخصياً". وهنا يتضح أن الثبيتي، وبرغم ما جلبته له هذه القصيدة الحديثة على المستوى الشخصي، إلا أنه وعلى خلاف كثيرين من مجايليه لا يزال مهموماً بهذه التجربة كحالة عامة أكثر منها شخصية، إذ يقول: "لا أطمح إلى أكثر من صحة البدن، ومزيد من الوعي والنضج الفكري والاجتماعي".

صحة البدن لم تمهل الثبيتي، إذ تعرض في عام 2009، لنوبة قلبية تبعها بعض التجلطات ألزمته فراش المرض حتى وفاته صبيحة يوم 15 كانون الثاني (يناير) 2011. ليكتب له وعنه، خلال فترة المرض، كثيرون، فهذا رفيق الحرف والأمسيات الشعرية عبد الله الصيخان يكتب: أناديكَ قمْ.. يا محمدْ/ فإنَّ العيون التي انتظرتك طويلاً بكت في ظلال القصيدةِ/ أناديك.. قمْ يا أمير القصيدةِ/ يا أبيض القلبِ والأفْق أسودْ/ قم يا صديقي.

مرض الثبيتي أثار هو أيضاً الكثير على مستوى المشهد الثقافي. فهناك من وجد فيها "قصة صحافية" تنال من سوء الخدمات الطبية عموما، وهناك من وجد فيها موضوعاً قديماً جديداً، حول إهمال المبدع وتجاهله. هناك من كتب يطلب له سكناً وهناك من كتب يطلب له علاجًا. ويا لها من مفارقة؛ إذْ يتسبب الشخص نفسه في إثارة المشهد مرتين ولكن بطريقتين مختلفتين: مرة فكرية شِعرية حول ما يكتبه بوصفه مبدعاً، والأخرى خدماتية اعتيادية حول ما يستحقه!

وهنا لا بد من وقفة، فمع كل التقدير لإنسانية المطالب، إلاّ أن "إغراقها" في ذات الاتجاه، دون أي تماهٍ أدبياً أو فكرياً مع "إبداع" هذا الرجل، يُشير بوضوح لتحول في المشهد الثقافي، وطبيعة الحِراك فيه، مقارنة بالثمانينيات؛ من ثقافي نخبوي إلى خدماتي شعبوي، فبعد أن كان المشهد الثقافي هو الذي يقرر للمشهد الصحافي مواضيعه، انقلب الحال وأصبح هذا المشهد لا يَقود بقدر ما يُقاد من الصحافة والجماهير.

الثبيتي كان بإمكانه أن يستثمر في حياته كثيرا من المعاناة الشخصية من أجل تلميع الذات ـــ كما فعل كثير من كتاب ونقاد الحداثة ـــ ولكنه مع ذلك لم يفعل، ليشتغل أكثر على لغته وحُلمه، لذلك نكاد نجزم بأن هذا الإغراق في معاناة مرضه أو تأبين موته، من قبل الآخرين، لم يكن ليرضيه، وهو الذي لا يطمح لأكثر من "مزيد من الوعي والنضج الفكري والاجتماعي".

ختامًا، لعله من الأجدى أن نختم هذه القراءة بحُلم الثبيتي الذي يتحدث عنه وكأنه يخاطب ذاتاً أُخرى، فيقول: "لم يفارقني ولن يبرحني حُلم "كتابة قصيدة صادقة"، على رغم ما يعتريها من نزق وما تستدعيه من جنون، وهما ما أُعدهما جزءاً من تجربتي، إلا أن الصدق ركيزة أساسية في نص محمد الثبيتي، وهكذا يجب أن أكون".

وهذا بالفعل ما كان، فالصدق والاشتغال اللغوي المحكم، هو ما ميّز نصوص الثبيتي التي لم تخلُ من جنون التجربة ونزق الإيقاع الصاعد، من أول ديوان لآخر ديوان. هذا فضلا عن الحضور المتكرر لمفردات متعلقة بالانتماء للمكان نحو: الوطن، الغربة، المدينة، القرية. وهذا ما يؤكد همّه العام وارتباطه العضوي بماضي ومستقبل هذا المكان (الوطن) وإنسانه. وهذا ما يجب أن يُقرأ باستمرار حتى لا يموت الحلم، وحتى نقول لقلوب الأطفال ـــ دائماً ـــ هذا هو، وهؤلاء أنتم، وهذا الشِعر.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية