الإطار القانوني للصندوق السيادي .. الحلقة المفقودة
إن الإدارة الفاعلة لصناديق الثروة السيادية تتطلب إطارا قانونيا متينا قائما على أسس وقواعد راسخة من أجل تعزيز الإطار المؤسسي وهيكل الحوكمة عند إدارة الأصول السيادية الخارجية. كما تطرقنا في المقالات السابقة، فإن مصدر التمويل للصندوق السيادي من المحتمل أن يكون من الاحتياطيات الأجنبية "الفائضة"، وبالتالي طريقة تصميم الهيكل القانوني ستكون لها انعكاسات جوهرية على كيفية إدارة أصول الصندوق والعائد على هذه الأصول. لذا يهدف هذا المقال إلى مناقشة أهمية وجود إطار قانوني لصندوق الثروة السيادي. ما الخيار الأفضل لتأسيس صندوق سيادي (مستقل أو تحت مظلة ساما)؟
يوفر الإطار القانوني من بين أمور أخرى:
(1) شكلا قانونيا واضحا للصندوق السيادي وعلاقته بالأجهزة الحكومية الأخرى وبالأخص وزارة المالية و"ساما".
(2) اتساقا متكاملا مع إطار السياسة الاقتصادية الكلية، وبالأخص الميزانية العامة للدولة من خلال الإيداع (أو السحب) من الصندوق في حالة وجود فائض (أو عجز) في المالية العامة.
(3) ضمان سلامة الوضع القانوني للصندوق عند القيام بالاستثمار في الخارج، وبالأخص الاستمتاع ببعض الامتيازات الضريبية.
(4) تشجيع الإدارة الفاعلة والمساءلة والشفافية.
من ناحية عملية، بما أن هناك مجموعة واسعة من الأطر القانونية لصناديق الثروة السيادية، فهذا يعكس جزئياً حقيقة أن بلدانا عديدة اختارت أشكالا قانونية مختلفة لإدارة الأصول السيادية. لكن عموماً، هناك ثلاثة أشكال قانونية عند تأسيس مثل هذه الصناديق:
(1) إنشاء الصندوق السيادي على أنه مجموعة من الأصول السيادية a pool of assets المملوكة للدولة أو البنك المركزي، لكن من دون هوية قانونية مستقلة. من ضمن الدول التي تبنت هذا الإطار القانوني: شيلي، النرويج، روسيا، بوتسوانا، وتيمور الشرقية. في مثل هذه الحالة، البنك المركزي يدير أصول الصندوق تحت التفويض الممنوح له من وزارة المالية.
(2) إنشاء الصندوق السيادي بكينونة (هوية) قانونية مستقلة ذات قدرة كاملة على التصرف في إدارة الأصول السيادية كما هو معمول به في دول مثل: أستراليا، الكويت، الإمارات، نيوزيلندا، وصندوق سنغافورة للاستثمار. في مثل هذه الحالات، الصندوق السيادي يكون مملوكا للحكومة ويدير أصول الصندوق تحت المبادئ التوجيهية من وزارة المالية، وكذلك يحق للصندوق إدارة الأصول الأخرى للقطاع العام. على سبيل المثال، صندوق سنغافورة للاستثمار يدير الأصول التابعة لوزارة المالية وفي الوقت نفسه إدارة جزء من احتياطيات البنك المركزي من أجل تعظيم العائد على الموجودات الأجنبية للبنك المركزي.
(3) تأسيس الصندوق السيادي على أنه شركة مملوكة للحكومة مع هوية قانونية مستقلة مثل شركة تيماسيك في سنغافورة. عادة ما يتم تبني مثل هذا الإطار القانوني عندما تكون الاستثمارات مباشرة ومتركزة في عدد من الشركات.
عندما نحاول إسقاط هذا التعريف على الأوعية الاستثمارية في السعودية، نجد أن كيفية إدارة الأصول السيادية لدى "ساما" تشبه إلى حد كبير هذا الإطار القانوني الأول وتدار من ضمن الموجودات الأجنبية الأخرى، لكن ليس هناك إطار قانوني مستقل لهذه الأصول السيادية كما هو معمول به في الدول المذكورة أعلاه. أما صندوق الاستثمارات العامة فيمكن تصنيفه من ضمن الإطار القانوني الثاني، وشركة سنابل للاستثمار ضمن الإطار القانوني الثالث.
كما أن هناك أطرا قانونية مختلفة، هناك أيضا مجموعة واسعة عندما يتعلق الأمر بدرجة تشعب التشريعات الرئيسة، وهذا يعكس جزئيا المتطلبات الدستورية في مختلف البلدان. على سبيل المثال، بعض الدول لديها تشريعات رئيسة قصيرة جداً (حيث إن قانون الصندوق السيادي للنرويج لا يتجاوز تسعة بنود قانونية فقط)، لكن التشريعات الثانوية أكثر تفصيلاً. في حالات أخرى، تكون التشريعات الرئيسة أكثر تفصيلاً، حيث إن قانون صندوق المستقبل في أستراليا يتجاوز 80 مادة قانونية.
ختاما، بما أن فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي ما زالت تحت الدراسة من قبل مجلس الشورى بالتشاور مع الجهات الحكومية المهتمة بالشأن الاقتصادي والمالي، من الضروري أن يوفر الإطار القانوني رؤية واضحة ودقيقة عن مالك الأصول السيادية وكذلك مدير هذه الأصول سواء كان البنك المركزي أو صندوق سيادي بهوية قانونية مستقلة أو شركة تابعة للدولة. لذلك هل سيكون الإطار القانوني للصندوق السيادي المزمع تأسيسه ضمن نطاق الإطار القانوني الأول أو الثاني أو الثالث؟ وهل يمكن أن يكون خليطا من هذه الأطر القانونية أو إطارا قانونيا مختلفا يأخذ في الحسبان الجهات الحكومية ذات الصلة بتصميم إطار السياسة الاقتصادية للوطن ككل؟ هذا ما سنتطرق إليه في المقالات اللاحقة.