ماذا تتوقعون للأسعار في السنوات المقبلة؟
ناقش مجلس الوزراء في رمضان الماضي توصية للجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى في شأن ارتفاع أسعار السلع والخدمات في المملكة مقارنة بالدول المجاورة، رغم تعدد أوجه الدعم والإعانات التي تقدمها الدولة. اتخذ المجلس عدداً من التوجيهات في هذا الصدد، من بينها تعزيز جهود الأجهزة الحكومية في رقابة الأسعار ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراجعة الأنظمة واللوائح التي تعنى بموضوع أسعار السلع والخدمات. من بينها أيضا توفير قاعدة معلومات متكاملة حول تطورات أسعار السلع والخدمات، والتغيرات التي تطرأ عليها، وإتاحة الفرصة للمواطنين للاطلاع على هذه المعلومات.
مع الترحيب بالجهود المبذولة للحد من ارتفاع الأسعار، إلا أن من المتوقع أن تواصل أسعار السلع الأساسية ارتفاعها عالميا على مدى بضع السنوات المقبلة، ويشمل ذلك النفط. هذا متوقع رغم التوسع في إنتاج واستخدام مصادر طاقة تعد في حكم الجديدة، أخص منها بالذكر النفط والغاز الصخري، لا يتوقع أن يكون الارتفاع في الأسعار حادا بالنظر إلى النمو الاقتصادي العالمي الضعيف.
ارتفاع الأسعار في الأجل المتوسط سيعمل على خفض مستويات المعيشة عالميا.
من أين يأتي ارتفاع الأسعار؟
يتوقع أن يقوده نمو الصين. سيستمر الاقتصاد الصيني في توسعه ونموه، مما يعني زيادة الطلب على الطاقة والحبوب والمعادن وغير ذلك من الموارد. معدل الاستهلاك الصيني الحالي للفرد يبدو متواضعا مقارنة بما يجري في الغرب. مثلا، يقارب تسع استهلاك الفرد الأمريكي، من حيث المتوسط. النمو الاقتصادي في الصين، يجر الشعب الصيني إلى زيادة الاستهلاك الكلي والفردي. طبعا هذا يجر إلى ارتفاع الأسعار.
الكلام ينسحب على دول نامية أخرى ذات أسواق صاعدة، وليست الهند منا ببعيد. ويتوقع حصول نمو اقتصادي حقيقي لكلا البلدين الصين والهند في حدود 6 - 8 في المائة سنويا خلال بقية هذا العقد.
الارتفاع ليس متماثلا بين السلع بطبيعة الحال. فمثلا، ظروف الطلب على الحديد ليست مماثلة لظروفه على النحاس.
من جهة أخرى، من المستبعد أن ينمو المعروض بنسبة نمو الاقتصاد نفسه، بل من المتوقع أن ينمو بنسبة تقارب نصف معدل النمو الاقتصادي. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الأسعار سترتفع. طبعا، وكعادة الاقتصاديين، نفترض ثبات العوامل الأخرى، بما في ذلك كثافة (استخدام) السلع الأساسية. هذا الثبات يترجم إلى زيادة الطلب. وكثافة السلع تعني القدر من السلع المستخدم لتوليد حجم محدد من الإنتاج. واقعا، انخفضت كثافة استخدام سلع (كالذهب) وزادت كثافة سلع كالنفط.
انتشال عدد كبير من الناس من الفقر يضغط على الحكومات لتحقيق نمو اقتصادي جيد. وجيد يترجم إلى نمو اقتصادي يتجاوز نمو العرض.
إن اقتصادات ما بات يعرف بالأسواق الصاعدة الكبرى كالصين والهند والبرازيل، يلاحظ تحولها التدريجي إلى النمط أو ما يقارب النمط الاستهلاكي السائد في الغرب. من علامات هذا التحول زيادة نسبة تملك الأفراد للسيارات والهواتف المحمولة والتلفزيونات ونحوها.
ماذا بشأن السعر الاحتياطي reservation price؟
هذا السعر يعني أعلى سعر يبدي المشتري استعداده لدفعه. وفائدة تقدير هذا السعر أنه يوضح أقصى مدى يمكن أن ترتفع إليه أسعار السلع الأساسية. يبدأ الطلب في الانهيار بعد هذا السعر.
واقعا، السعر الاحتياطي في الدول النامية أعلى منه في الدول المتقدمة اقتصاديا. لماذا؟
التفسيرات عديدة، يقف، ربما، على رأسها كون تسارع نمو الأجور في المناطق الأقل نموا، ولكنها آخذة في النمو، أعلى من تسارعه في المناطق الأكثر نموا. ركود الأجور يعمل على ركود أو خفض السعر الاحتياطي.
ما سبق يفسر توقع ارتفاع السعر الاحتياطي في الدول النامية (حسب التسمية الدارجة، وبغض النظر عن القناعة بها) الكبرى كالصين والهند خلال السنوات القليلة المقبلة.
نمو الطلب القوي يصنع حالة تعوق العرض، وتصاعد الطلب يضغط على زيادة العرض، وزيادة الأخير تعني دخول منتجين أقل كفاءة. نرى هذا واضحا جليا لدينا في المشاريع الحكومية التي توسعت توسعا هائلا خلال السنوات الماضية، وجر هذا التوسع إلى ازدياد التعثر في تنفيذها.
أمر آخر، كثرة التشريعات والتنظيمات الحكومية للأنشطة تعمل على الحد من العرض وتدفع الأسعار إلى الارتفاع.