كاتب الوحي .. احذروا كَسْرَ بابه
لم يكن الله سبحانه ليختار لنبيه سوى صفوة أمته وخلاصتهم ممن سيحيطون به ويحملون رسالته ويصونون شريعته فهم صحابته الذين مات وهو راض عنهم واثق بهم محب لهم. فلهم عند ربه مكارم خاصة بهم لا يدانيهم لها أيًّا من الأمة مهما علا كعب فضلهم، فقنطرتهم بعيدة المنال، بل مستحيلة النوال؛ لأن سبب فضلهم قد انقطع عما بعدهم. ومن تأمل سيرتهم أيقن صدقيّة تفضيلهم.
والطعن فيهم يتعدى بالتضمّن للطعن في رسالتهم وهي الإسلام الخالص، وهذا من أهم ملاحظ الدفاع عنهم. وجملة ما روي مما يغض منهم لا يخرج عن أن يكون مختلقا أو مزيدا أو منقوصا مع قليلٍ متردد أو صحيح ينغمر في بحر فضلهم. فمما يؤسف له أن بعض المكثرين من الإخباريين فيهم تحامل وكذب كأمثال أبي مخنف والواقدي وابن الكلبي.
ومن تأمل طبيعة الطاعنين واللامزين وتدرجهم في النيل من الصحابة وجد أن القاعدة الابتدائية المطردة له تبدأ بالقدح في كاتب الوحي معاوية - رضي الله عنه. لذا فعِرضه هو البوابة التي تدخل منها عاديات الروافض وأشباههم. وقنطرة سب الصحابة هي استباحة عرض معاوية - رضي الله عنه وعنهم -، وتأمل قول ابن المبارك - رحمه الله: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القوم - يعني الصحابة. وقال الربيع بن نافع - رحمه الله: معاوية ستر لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.
وفوق ذلك فلمعاوية مناقب خاصة، منها كتابته الوحي ودعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، فعند الترمذي وحسَّنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا مهديًّا" وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم علمه الكتاب والحساب، وقِهِ العذاب" وعند ابن أبي شيبة وغيره عن معاوية - رضي الله عنه: ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "يا معاوية، إذا ملكت فأحسن". وأخرج البخاري من طريق أم حرام بنت ملحان - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا" قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم" ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر - أي القسطنطينية - مغفور لهم" فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: "لا" ومعاوية هو قائد الجيش الأول وابنه يزيد هو قائد التالي. قال ابن حجر: معنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: لا تذكروا معاوية إلا بخير. وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فقدتموها؛ رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل. وقيل لابن عباس - رضي الله عنهما: هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه.
وسأل رجلٌ المعافى بن عمران فقال: يا أبا مسعود؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان؟! فغضب غضبا شديدا وقال: لا يقاس بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أحد، معاوية - رضي الله عنه - كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحي الله - عز وجل. وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد تعني في حلمه؟ قال: لا والله بل في عدله. وعن قتادة ومجاهد قالا: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة. وقال: فلم يكن من ملوك المسلمين خيرا من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمان معاوية. وقال ابن خلدون: إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخبارهم، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة.
... يتبع
ومضة: إذا أردت رؤية الجمال الحقيقي للوفاء؛ فتأمّل فقط.. قبح الخيانة!