الوساطة العقارية في السعودية .. لوحة ورقم جوال
''عندي لك واحد يدور عن أرض على طريق سلمان.. إذا عندك شيء علّمني!''. لا يتطلب دخول مهنة الوساطة العقارية في السعودية أكثر من لوحة عليها رقم جوال الوسيط فوق أي أرض فضاء. بل في كثير من الأحيان لست مضطرا لعمل ذلك.. فربما وجدت نفسك ضمن قائمة طويلة من السعاة على أحد الأراضي وكل ما قمت به مجرد اتصال أو اتصالين..! لكن للإنصاف ليست الصورة بهذه البساطة. فهناك من يبذل بعض الجهد ويشتري زولية حمراء وبراد شاي وقهوة وبركسا صغيرا يضعه على أحد المخططات الجديدة شمال طريق سلمان..!
مهنة الوساطة العقارية في السعودية هي بامتياز مهنة من لا مهنة له. في الولايات المتحدة؟ هنا تبدو الصورة كعادتها.. مختلفة...!
حتى يتمكن الشخص من ممارسة عمل الوساطة ويصبح (وسيط) broker، يجب أن يكون قد أمضى ثلاث سنوات على الأقل في العمل لدى broker آخر. خلال السنوات الثلاث هذه يسمى الموظف (وكيل) agent وحتى يكون قادرا على العمل خلال هذه السنوات، يجب عليه قبل ذلك أن يدخل امتحانا من قبل هيئة إدارة العقارات في الولاية. هذا الامتحان يتطلب دراسة بعض المواد لمدة ثمانية أسابيع لدى إحدى الجامعات قبل دخول الاختبار. بعد مضي الثلاث سنوات كـ agent، وحتى يصبح الموظف وسيط broker عليه أن يدخل امتحانا واختبارا آخر..! ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل يتم تجديد الرخصة سنويا عن طريق دخول امتحان آخر تنظمه هيئة إدارة العقارات.
تكاليف الوساطة العقارية مرتفعة في الولايات المتحدة (6% وربما تصل 8%)، وعادة يتم دفعها مناصفة بين البائع والمشتري (المسألة خاضعة للنقاش). ولكن يبرر هذه النسبة المرتفعة أن الوسيط لا يقتصر عمله على إيجاد العقار للمشتري، بل يتجاوز ذلك إلى تجهيز العقود ومتابعة التفاصيل القانونية (في بعض الولايات الوسيط يلعب دور المحامي بسبب نوعية المواد الدراسية التي تمكّنه من ذلك) التي تشمل تقديم استشارات فيما يخص التأكد من سلامة صكوك الملكية، وذلك عبر التعاقد مع شركة التأمين((Title insurance. كذلك لا يخفى أن ارتفاع تكلفة الوساطة العقارية يحجم ويقلل من المضاربات العقارية التي تسبب ارتفاعات وهمية لأسعار العقارات.
38 ألفا هو عدد الوسطاء والوكلاء في ولاية أريزونا مثلا. هؤلاء الوسطاء يحملون رخصة لممارسة العمل ولا يحق لأي شخص لا يحمل هذه الرخصة ممارسة عمل الوساطة العقارية، هيئة إدارة العقارات لديها سجل لكل الأشخاص الممارسين لهذه المهنة. خلال الكورس التعليمي المكثف، يتعرف الطالب على أنظمة وقوانين البناء حتى يكون قادرا على فهم العقار الذي يقوم بتسويقه.
في السعودية يندر جدا أن تجد وسيطا عقاريا يعرف الحد الأدنى ﻷنظمة البناء، فضلا على أن يلمّ بها. ليس فقط ليس لدينا فكرة عن عدد الوسطاء السعوديين، بل حتى لدينا عدد كبير من الوسطاء الوافدين غير المسجلين وكثير منهم مجال عملهم الأصلي لا علاقة له بالعقار. في السعودية، بالنسبة لكثير فإن مهنة الوساطة العقارية هي مهنة تبدأ ساعات الدوام فيها بعد انتهاء ساعات الدوام الحكومي وبعد قيلولة العصر..!
في السعودية، يختفي كثير من الوسطاء خلف ألقاب، ولا يكشفون عن أسمائهم وكثير ما تتم عمليات البيع والشراء دون معرفة كامل الوسطاء والسعاة. هنا في أمريكا، أسماء الوسطاء يتم إدراجها في عقود المبايعة والتأجير.
يبدو الطريق طويلا قبل أن تتنبه الدولة لمسألة تنظيم قطاع الوساطة العقارية في البلد. قطاع مهم وحيوي لكن لا يتمتع بأي نوع من الإجراءات التنظيمية. من هنا وحتى تتغير الصورة، سنستمر في مشاهدة آلاف الأشخاص يمارسون مهنة الوساطة فقط، لأنهم سمعوا أنها قد تساعدهم على تحقيق أرباح سريعة وبدون أي مجهود وبدون أي متطلب تعليمي أو اختبار. من هنا وحتى تتغير الصورة، سنستمر في مشاهدة الزوالي الحمراء وترامس الشاي والبركسات على الأراضي البيضاء..!