قراءة في الفيلم الأمريكي «جاتسبي العظيم»

قراءة في الفيلم الأمريكي «جاتسبي العظيم»
قراءة في الفيلم الأمريكي «جاتسبي العظيم»

"وهكذا نسير، وقواربنا تواجه التيار، لتحملنا دائماً إلى الخلف نحو الماضي". عبارة مأخوذة من رواية "جاتسبي العظيم" The Great Gatsby للروائي العريق F. Scott Fitzgerald، التي نشرت في ربيع 1925، ولا تزال تعتبر من أروع كلاسيكيات الأدب الأمريكي.
يمعن إف سكوت من خلال روايته على إرغامنا بالتوقف مع تجليات نوستالجيا للشخصيات المحورية، "جاتسبي" الذي اختار له لقب العظيم، على الرغم من عدم وجود أي إثبات لعظمته. قد يكون عظيماً بمقدار حلمه المثالي الذي أعماه عن واقعه ودفعه للهوس بملاحقة معشوقته "ديزي" التي صنع منها تمثالاً وبالغ في تقديسه وإن لم تكن تستحق ذلك. ربما يكون جاتسبي عظيماً لأنه تمكن من تحقيق أحلامه في التخلص من الانتماء للطبقة الفقيرة ونسب أصله لأبوين غنيين وزعمه تخرجه في جامعة أوكسفورد المرموقة، وكأنه يتخلص بذلك من عقدة التراتب الاجتماعي، كما هو أشبه بنظرية عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر والاختلاف الطبقي بين الأفراد والصراع بينها.

#2#

والده وصفه مختصراً أحلامه "لو أنه عاش لأصبح رجلاً عظيماً". تم تجسيد هذه الرواية عبر ما يزيد على أربعة أفلام أنتجت في فترات تفاوتت بدءاً بعام 1926 حتى عام 2000 من قبل لم تلق رواجاً كما حدث مع الفيلم الذي أخرجه "LuhrmannBaz" في أيار (مايو) 2013.
هذه الرواية التي لم تشتهر وتعتبر من أهم الروايات الأمريكية التي تجسد حقبة العشرينيات الذهبي، وترمز للحلم الأمريكي والسعي لتحقيقه، إلا بعد وفاة مؤلفها، ولا تزال تسبب تضارباً في ردات فعل النقاد فيلماً ورواية، فالفيلم الأخير الذي أنتج عبر التقنية الثلاثية الأبعاد بميزانية ضخمة، جمع بين أصوات للنقاد مؤيدة ومستنكرة، إلا أنه حصد ما يزيد على 348,840,419 دولارا أمريكيا، مما يعكس شعبية جماهيرية وإقبالاً ضخماً على الفيلم. ما يحسب المخرج لرمان هو اهتمامه بدقة تنفيذ تفاصيل الرواية وإخلاصه للنصّ الروائي، حتى إن قارئ الرواية يلحظ محاورات عديدة نقلت إلى الفيلم بحرفية، خصوصاً أن رواية "جاتسبي العظيم" تعدّ موجزة، إلا أن لبرمان قد ركّز أكثر على نقل بهرجة حفلات جاتسبي إلى الشاشة، فانشغل بانتقاء أزياء تعكس حقبة العشرينيات في نيويورك التي ظهرت فيها ثقافة الجاز وموسيقى البلوز والتطرف ما بين الكبت الاجتماعي كشخصية ديزي التي لم تتمكن من التحرر من علاقتها الزوجية الخانقة والانحلال الأخلاقي كما كان يحدث في الاحتفالات العديدة الصاخبة.
ظهر تركيز لبرمان على تصوير الطبقة الأرستقراطية آنذاك بمبالغة وإن كانت لافتة للأنظار، فقد استعان بمصممتي الأزياء العالميتين Catherine Martin وMiuccia Prada، كما أنه انتهج مأخذاً غير تقليدي في اختيار أغان تمزج بين الجاز وبعض الأغاني الحديثة والاستعانة بمطربين عصريين مثل Jay Z وFlorence.
بشكل عام تشغلك المؤثرات البصرية الصاخبة التي قد تصرف النظر عن معان أعمق لرواية كلاسيكية ذات معان عميقة، على الرغم من ذلك، إلا أن لقطات الحفلات الصاخبة باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد ترغمك على الالتفات إليها والانبهار بها، والافتتان بشخصية جاتسبي الذي صنع من نفسه أسطورة غامضة يبحث عن معناها الجميع، حيث تقبلوا استضافة جاتسبي لهم؛ لأن ذلك يشبع حماستهم لكل ما هو جديد وبرّاق مقابل "إتاوة رقيقة هي أنهم لا يعرفون عنه شيئاً على الإطلاق".
وعلى الرغم من تسابقهم لحضور حفلاته إلا أن ألسنتهم تلقفت بنهم شائعات حول كونه "مهرّب خمور وجاسوسا ألمانيا وأقاويل عديدة"، إلا أن تورّطه في أعمال غير مشروعة يعكس ظهور العصابات والجرائم في نيويورك في حقبة العشرينيات. أظهر الممثل الأمريكي Leonardo DiCaprio من خلال تجسيده جاتسبي نضجاً أكبر وتقمصاً بليغاً لشخصيته، حيث كان الأفضل تمثيلاً في الفيلم بلا منازع. جاتسبي الذي وصفه الراوي "نك كاراوي" الذي أدّى دوره الممثل Toby Maguire في الفيلم بأن له "موهبة غير عادية لتلمس الأمل واستعداداً رومانسياً".
انبثقت رؤية جاتسبي للحياة من تصوره الأفلاطوني لنفسه، حيث ابتدع صورة لعشقه وظل مخلصاً لها حتى النهاية. وحين حاول "نك كاراوي" نصحه بأنه "لن يستطيع تكرار الماضي"، استنكر ذلك وأصر على أن بإمكانه أن يعيده.
مراقبته للضوء الأخضر المنبثق من فناء منزل محبوبته يصور أمله الأشبه بالحلم الأمريكي لتحقيق النجاح وإثبات الذات. وانهزامه ونهايته التراجيدية يعكس سخط ونظرة "فيتزجارد" السوداوية حيال تحقيق الحلم الأمريكي وتحقيق الأهداف الفردية وإيمانه بفشله.

الأكثر قراءة