Author

بدل الانشغال بالتفاصيل راهنوا على تغير النسق

|
كتبت في حزيران (يونيو) أن عودة الإصلاحيين إلى الحكم فرصة ينبغي لإيران عدم التفريط فيها. وأقول اليوم إن الاتفاق النووي المؤقت بين إيران ومجموعة 5 + 1 فرصة للولايات المتحدة وأوروبا ينبغي ألا تفوتها. لم تخل السنوات الماضية من فرص مماثلة. نحو عام 1999 تلقى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إشارات قوية عن رغبة الإيرانيين في التفاوض، لكن إدارته قررت تشديد الضغوط على طهران، طمعا في تنازلات إضافية. لا شك أن الإدارة الأمريكية تراقب تململ الإيرانيين من سياسات حكومتهم التي قادت إلى تشديد العقوبات. لكني أخشى أن انشغال واشنطن بهذه التفاصيل ربما فوت عليها ملاحظة الصورة الكاملة، التي تعكس بدرجة أدق محركات السياسة في إيران كما في غيرها. الصورة الكاملة لا تتجلى في الشارع، بل في وسط النخبة التي تضم إضافة إلى السياسيين، بعض المثقفين البارزين ورجال الأعمال، وشريحة محددة من رجال الدين النافذين. ثمة جدل مزمن يدور في أوساط النخبة، حول ''موقع إيران على الخريطة الدولية''. يجادل التيار البراجماتي – وفيه إصلاحيون ومحافظون - بأن لدى إيران ''فائض قوة'' يسمح لها باتخاذ موقع بين الدول شبه الصناعية مثل الهند ومجموعة النمور الآسيوية. وهذا يتطلب علاقات دافئة مع الدول الصناعية، ولا سيما الاتحاد الأوروبي. ذلك أن الصعود إلى الخط الأول يتوقف على التحول الكامل نحو اقتصاد صناعي، ذي قاعدة إنتاج واسعة ومتنوعة، وهذا مستحيل تقريبا دون تمويل خارجي وأسواق عالية الاستيعاب. في المقابل يجادل التقليديون – وبينهم أيضا محافظون وبعض قدامى اليسار – بأن موقع إيران الطبيعي هو الشرق الأوسط، وأن عليها تركيز ثقلها المادي والسياسي ضمن هذه المنطقة. ذلك أن الغرب لن يسمح بنجاح الخيار الأول، إلا إذا تخلت إيران عن مبادئ الثورة الإسلامية، الأمر الذي يعد خيانة لا تغتفر. ويجادل هؤلاء بأن إيران قادرة على التطور المستقل، وفرض نفسها وخياراتها دون تقديم تنازلات. كلا الخيارين يمثل نسقا سياسيا كاملا، تدعمه أيديولوجيا وتجربة ومؤسسات وشرائح من النخبة والشارع. كان الرئيس السابق أحمدي نجاد ممثلا للخيار الثاني، بينما ينتمي الرئيس الحالي وحلفاؤه إلى النسق الأول. مقال الرئيس روحاني الذي ترجمته ''الاقتصادية'' (19 ديسمبر 2013) يحاول أن يشرح للإدارة الأمريكية هذه الفكرة: بدلا من سياسة العقوبات، راهنوا على تحول النسق السياسي. إذا كانت واشنطن وحلفاؤها مهتمين بعلاقات ودية مع إيران، فهناك في إيران من يتبنى التوجه ذاته. استمرار هذا المسار رهن بانعكاسه الإيجابي على حياة الناس ومعيشتهم. يتوقع الناس عودة المصانع المعطلة إلى العمل، عودة القنوات المصرفية بين إيران والخارج، وإحياء المشروعات الكبرى التي جمدتها العقوبات. كل خطوة من هذا النوع ستكون برهانا على جدوى هذا الخيار. ليس متوقعا أن يقول سياسي إيراني للغربيين: ساعدونا من فضلكم. والمؤكد أن أيا من السياسيين الغربيين لن يقول للإيرانيين: دعونا نحمل عنكم هذا العبء. يقول السياسيون كلاما كثيرا لا يقصدونه بالتحديد، بقدر ما يقصدون الرسائل الضمنية، التي تظهر فقط لمن تمعن في مجمل السياق وتحولاته، ولم يشغل نفسه بالتفاصيل الصغيرة.
إنشرها