نمو سوق الأحذية الرياضية المستعملة في بريطانيا

نمو سوق الأحذية الرياضية المستعملة في بريطانيا

''أنت تمتلك ثروة في قدميك .. حافظ عليها'' ليس هذا شعار لنادٍ رياضي أو مركز تدريب يعمل على جذب الموهوبين في لعبة كرة القدم، ولكنه شعار لسوق الأحذية الرياضية المستعملة في لندن.
قد يبدو للبعض غريباً أن تكون العاصمة البريطانية، حيث مستويات المعيشة واحدة من الأعلى في العالم، بها سوق للأحذية المستعملة، ولكن هوس المغرمين بعالم الأحذية في شرائها واقتنائها، دفع لنمو ظاهرة بيع وشراء وحتى تبادل الأحذية الرياضية المستعملة، بل وتشكيل مجموعات ومنتديات على الشبكة العنكبوتية لمن لديهم غرام بعالم الأحذية.
ولم يكن غريباً أن تستجيب بلدية مقاطعة نورث هامبتون، رغم الأزمة الاقتصادية وتتجاوب مع عشاق عالم الأحذية والمغرمين بها، وتشيّد متحفاً للأحذية يعد الأكبر من نوعه في العالم، ويضم أكثر من 12 ألف زوج من الأحذية المستعملة والنادرة.
عندما تتحدث عن سوق الأحذية المستعملة في لندن، فأنت لا تتحدث عن أحذية مستعملة بالمعنى الدارج للكلمة، أي أحذية ممزقة تفوح منها روائح كريهة، بل على العكس تماماً فأنت بصدد أحذية أنيقة لربما لم يرتديها أصحابها أكثر من مرة أو مرتين قبل أن يطرحوها للبيع أو للتبادل بحذاء آخر مستعمل.
أما عن الأسعار فقد تتفاجأ بأنها تتراوح بين 50 و5000 جنيه استرليني، أي ما يقارب 8200 دولار أمريكي، والملاحظ عند زيارة هذه السوق، أن التجارة تنحصر في الأحذية الرياضية حيث الماركات العالمية والأشكال والألوان غير التقليدية.
ستاركي بات أحد كبار المتعاملين في سوق الأحذية الرياضية المستعملة يعلق لـ ''الاقتصادية'' حول أسباب الشعبية المتنامية لهذه الظاهرة بالقول: ''علينا أن ندرك أن هناك تغيرات اجتماعية واقتصادية ضخمة تشهدها البلدان المتقدمة، ومن أهمها دخول فئة الشباب بقوة للسوق الاقتصادية، وأعني أن لهذه الفئة مطالب غير تقليدية، خاصة في الملابس والأحذية''.
وأضاف أن أغلب الشباب يرتدون الأحذية الرياضية يوميا، وهذا أوجد طلبا متزايدا عليها، أما بالنسبة للأحذية المستعملة، فإن سبب نمو الطلب يعود إلى أنها أرخص في بعض الحالات فالموديلات الجديدة مثلا من الماركات الشهيرة تكون باهظة الثمن، ولهذا يفضل الشباب شراء المستعمل منها، وأحياناً بعض الموديلات والتصميمات القديمة لا تكون متاحة إلا في هذه السوق، لكن هناك أيضا من يبحثون عن أحذية رياضية مستعملة نادرة، كحذاء ارتداه رياضي شهير أو أحد نجوم الفن، وغالباً هذا النوع نقيم عليه مزادا لمن يدفع السعر الأعلى، وبعض هذه الأحذية عليها توقيع النجوم الذين ارتدوها.
خلال تجوالك في سوق الأحذية المستعملة ستلتقي بالعديد من الجنسيات بما فيها بعض الشباب الخليجيين، ويعلق جاسم المناعي وهو طالب قطري قائلاً: ''لدي غرام بجمع الأحذية الرياضية، لا أقول إنها هواية ولكني أحرص على المجيء إلى هنا، خاصة أيام العطلات، وقد جمعت حتى الآن 112 حذاءً رياضيا بعضها غريب الطراز وفريد من نوعه كنموذج ''جوردن الهوائي'' الذي طرح في الأسواق لأول مرة عام 1985، لكن للأسف لم يحالفني الحظ حتى الآن في الحصول على حذاء عليه توقيع لأحد المشاهير في عالم الرياضة، فغالباً يحدث منافسة حادة على هذا النوع من الأحذية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، لكن اليأس لم ينل مني بعد''.
ويقول توماس ماري نائب رئيس تحرير مجلة ''مجانين الأحذية الرياضية'' وأحد العقول الرئيسة وراء ازدهار سوق الأحذية الرياضية المستعملة في لندن لـ ''الاقتصادية''، إن ازدهار هذه السوق يعود في جزء منه للمبالغة السعرية للعلامات التجارية الكبرى عند طرح نموذج جديد في الأسواق، ففي أمريكا بمفردها بلغت قيمة تجارة التجزئة للأحذية الرياضية العام الماضي 21 مليار دولار وذات المبلغ تقريباً على المستوى العالمي.
وخلال العقد الماضي بلغ معدل نمو تجارة الأحذية الرياضية في واشنطن 5 في المائة، أما على المستوى العالمي فكان المعدل أعلى بسبب الازدهار وارتفاع مستويات المعيشة فيما يعرف بالأسواق الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا.
وأضاف أن هناك عاملاً نفسياً مهماً أيضاً في انتعاش هذه التجارة، ألا وهو'' الغيرة '' بين الفئات الشابة، فإذا اشترى أحد أصدقائك حذاءً رياضياً جديداً بنحو 150 دولار أمريكي، فإن هذا يخلق شعوراً بالغيرة لدى المراهقين الذين يسعون للحصول على حذاء مماثل، فإن لم يستطع أحدهم توفير سعر الحذاء الجديد، فإنه يلجأ للمستعمل ليس فقط لانخفاض السعر ولكن ربما كان شكله أجمل.
ويشير بعض من العاملين في هذه السوق إلى أن ''الزبائن'' يمكن تقسيمهم إلى نوعين رئيسين، النوع الأول: وهم كبار السن من هواة جمع الأحذية الرياضية وهؤلاء يحركهم الحنين لشراء نماذج محددة مرتبطة بذكريات كحذاء نيكي موديل عام 1990 على سبيل المثال، وغالباً نمط نفقاتهم يتصف بالرزانة وعدم المبالغة السعرية، لكن الجزء الأكبر من المتعاملين هم من المراهقين في سن 13 عاما وتجذبهم الألوان والتصميمات وآخر الصيحات في عالم الأحذية الرياضية.
أما تينا كامبال الصحافية في القسم الرياضي من مجلة ''الرياضي'' أوضحت أن التكنولوجيا تلعب دورا رئيسا سواء في ازدهار أو تراجع سوق الأحذية الرياضية المستعملة، وتعلق لـ ''الاقتصادية'' بأن ظاهرة الاهتمام بالأحذية الرياضية المستعملة تعود لنحو 4-5 عقود تقريباً، أي منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي.
لكن التواصل على نطاق واسع بين الفئات الاجتماعية المختلفة عبر الإنترنت شجع على تنامي الظاهرة وقرب الهواة والمتخصصين في مجال الأحذية المستعملة من بعضهم البعض، ومع هذا فإن تينا كامبال تجد أن لهذا الأمر جوانبه السلبية أيضاً.
وتقول للتبادل التجاري عبر الإنترنت: قد وسعت السوق بشكل ضخم للغاية، فبعد أن كانت سوق الأحذية الرياضية المستعملة تضم عدة آلاف، أصبحت الآن تضم الملايين، فمن خلال الضغط على زر يمكنك شراء ما تريد من الصين أو الأرجنتين أو الصين، لكن توسيع نطاق السوق عبر الانترنت يعني أن أسواق لندن التجارية التاريخية في هذا المجال ستتراجع وستتقلص، ولن يكون هناك حاجة لأن تقوم في يوم ممطر أو ثلجي بالذهاب للسوق لشراء الحذاء الرياضي الذي تريده إذا كان يمكنك القيام بذلك وأنت جالس في منزلك.
وكانت سوق مزادات الأحذية المستعملة قد استقبلت بترحيب شديد أنباء بيع حذاء ارتداه أسطورة دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين مايكل جوردان في ''مباراة نزلة البرد'' الشهيرة عام 1997، حيث لعب المباراة وهو يعاني من نزلة برد شديدة كادت تغيبه عنها، لكنه بالرغم من ذلك أحرز البطولة.
وقد بيع الحذاء مقابل مبلغ قياسي بلغ 104765 دولاراً، وهذا الحذاء المشهور باللونين الأحمر والأسود كسر الرقم القياسي السابق لحذاء رياضي مستعمل أيضاً من جانب جوردن، حيث بيع الشهر الماضي بمبلغ 31070 دولاراً أمريكياً.

الأكثر قراءة