اقتصاد المعرفة.. الذي نتمناه

مجتمع المعرفة يعني باختصار وجود مستويات عليا من الموارد البشرية عالية التأهيل تتعامل وتتفاعل مع آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات في الدولة محل البحث والتنظير، أي أن الاقتصاد في هذه الدولة ينتج ويوظف المعرفة لتحقيق مزيد من تراكم الثروة، بمعنى لا يوجد أي استشكال إذا قلنا إن الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وبريطانيا لديها مستويات عليا في تكنولوجيا المعلومات، ويمكن لكائن من كان أن يشاهد بأم عينيه مظاهر التقدم في استخدام تكنولوجيا المعلومات في هذه الدول.
إن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية الذي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة تقترن بالمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية وتراكم المعرفة.
لذلك إذا كنا حقاً نريد الانتقال من مجتمع اللامعرفة إلى مجتمع المعرفة، فإننا نحتاج إلى إصلاح حقيقي في التعليم أي أن أهم متطلبات اقتصاد المعرفة هو امتلاك نظام تعليمي عالي الكفاءة، ومخرجاته قادرة على بناء كنز من المعلومات.
ويجب أن ندرك أن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي التقليدي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، وإنما هو المجتمع المنتج للمعرفة والساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء ثروة بشرية مبدعة.
أنت ماهر إداري، تمارس مهارتك الإدارية النادرة في إنتاج بطولات، هذه البطولات هي التي تزيد الإيرادات وتحقق تراكم الثروة.
والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فعالاً نهماً إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.
وإذا استعرضنا المجتمع الدولي في الوقت الراهن نستطيع بكل بساطة أن نفرز ــــ وفق هذا التعريف ــــ الكثير من المجتمعات التي بلغت فيها تقنية المعلومات شأواً كبيراً، فلا نستطيع ــــ على سبيل المثال ــــ أن ننكر أن كوريا الجنوبية تتمتع بمجتمع معرفي وضعها جنباً إلى جنب في سباق مع الدول العظمى، ولا نستطيع أن ننكر أن الصين وتركيا وماليزيا والهند والبرازيل وسنغافورة بلغ عندها المجتمع المعرفي مستويات فتحت أمامها آفاق المستقبل العريض الذي يضعها في المقدمة مع الدول التي بلغت مستويات عالية من التقدم والنضج.
إن سر تفوق سنغافورة أنها بدأت وثبتها من تنمية الإنسان لكي يعمل ويبدع وينتج، وأقامت نظاماً تعليمياً من أقوى أنظمة التعليم في العالم، كما أن تطوير الإنسان وتدريبه وتنمية مهاراته وقدراته في سنغافورة عمليات لا تتوقف، وكانت سياسة الرئيس المعجزة ''لي كوان يو'' ترتكز على وجه الخصوص على الارتقاء بالقوى العاملة في مجال الخدمات، أي على قطاع التجارة والترانزيت والسياحة والصناعات التجميعية، فالاستثمار في اليد العاملة والارتقاء بها هو ''أس'' نجاح وتفوق سنغافورة.
وفي المقابل فإن الدول العربية ما زالت تلهث على طريق بناء مجتمعاتها المعرفية لتضييق ما يسمى بالفجوة الرقمية بينها وبين الدول التي وصل فيها مجتمع المعرفة إلى مستويات متقدمة جداً.
السعودية ــــ مع الأسف الشديد - حتى الآن مجتمعها مجتمع استهلاكي بعيد كل البعد عن مجتمع المعرفة، ويوم أن نغادر محطة المجتمع الاستهلاكي ونشتبك مع مجتمع المعرفة نكون قد وضعنا أقدامنا على أرض صلبة تأخذنا إلى عالم التقدم والنمو.
وأغتنمها فرصة لأشيد بالأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم الذي أخذ على كاهله مسؤولية تصميم استراتيجية مجتمع المعرفة في المملكة العربية السعودية، وخيراً عمل الأمير الوزير الناجح إذ إن التعليم والبحث العلمي هما حجر الزاوية والأساس في بناء مجتمع المعرفة.
ومن مكتب الأمير خرجت الاستراتيجية الوطنية لمجتمع المعرفة، وتستهدف استراتيجية مجتمع المعرفة أنه بحلول عام 2022 فإن المملكة ستصل إلى تشكيل راسخ لمجتمع المعرفة الذي نتطلع إليه، وعند ذاك سننضم إلى سرب دول النمور الآسيوية.
وكمواطن يتطلع بحماس إلى وصول المجتمع السعودي إلى المستويات الرفيعة لمجتمع المعرفة، فإنني أتمنى من كل السعوديين في شتى مواقعهم أن يكونوا فعالين في رحلة الوصول إلى موانئ مجتمع المعرفة، وأتمنى أن يكونوا قلباً وقالباً مع هذه الاستراتيجية التي ستحمى هذا الجيل من براثن التخلف، وتضع الأجيال القادمة على مرافئ التنمية المستدامة.
إن القدرة على مواكبة العلوم والتقنيات الحديثة وتطويرها وتجديدها والإبداع فيها تعني أننا مجتمع نجح في استيعاب العصر الذي يعيش فيه.
أمّا إذا أخفق المجتمع في استيعاب أدوات العصر الذي يعيش فيه، فإن التخلف ينتظره بالمرصاد، ونحن حكومة وشعباً نكره التخلف والتقهقر، بل نحن أمة مسلمة مردت على صنع التقدم والتنوير طوال ما ينوف على الألف عام.
وإذا كانت العدالة الاجتماعية مطلوبة لمجتمعاتنا الإسلامية، فإن العدالة في توزيع المعرفة داخل مجتمعاتنا من أهم أدوات تحقيق مجتمع المعرفة.
وإذا نظرنا إلى مجتمع المعرفة في الدول الناشئة نجد أن الثروة البشرية هي المحرك الأساس للثروة الطبيعية، ولذلك فإن تطوير التعليم مطلب ملح على طريق تكوين مجتمع معرفي راسخ ومتين.
دعونا نعود مرة أخرى إلى كوريا الجنوبية لأنها المثل الصارخ لمجتمع معرفي استطاع أن يقفز بكوريا من وحل الانكسار والتخلف ويأخذها إلى مراقي التطور والبناء، كوريا خرجت من الحرب الكونية الثانية وهي محطمة الأوصال ليس لديها ما يمكن أن يساعدها على العودة إلى سواء السبيل.
ولكن المجتمع الكوري أخذ يفيق من كبوته ويتدافع بكل إخلاص نحو المعرفة ويواجه التحديات من أجل أن يبني مجتمعاً معرفياً ينقذ كوريا من مرحلة الحرب المدمرة التي لم تبق ولم تذر.. إلى مرحلة التنمية المستدامة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن كوريا الجنوبية فقيرة جداً في مواردها الطبيعية، ليس لديها بترول ولا فحم ولا ذهب ولا فضة ولا نحاس، ولكن لديها مجتمع معرفي، وموردها الوحيد هو هذا المجتمع المعرفي الذي نشر المعرفة ووظفها في ربوع المجتمع الكوري حتى استطاع أن يحول كوريا الجنوبية إلى دولة تقف جنباً إلى جنب مع كبريات الدول المتقدمة ذات المجتمعات المعرفية الزاخرة.
نحن في السعودية نضع كوريا الجنوبية دائماً النموذج والقدوة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي