ألم يئن الأوان لتطوير الأنظمة المالية الحكومية؟

على الرغم من موجة الخصخصة التي اجتاحت العالم منذ الثمانينيات الميلادية إلا أن الأزمة المالية العالمية التي بدأت في 2008 أظهرت للعالم الدور الكبير الذي ما زالت تلعبه الحكومات والأنظمة المالية الحكومية في تحديد مسار الاقتصاد المحلي والعالمي. ففي أمريكا مثلاً أنفقت الحكومة الفيدرالية أكثر من تريليون دولار كخطة تحفيزية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي والعالمي من الانهيار. أما في أوروبا فقد وصل الدعم الأوروبي المقدم للمصارف التجارية والدول الأوروبية المتضررة من الأزمة المالية إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار منذ 2008. العديد من المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إضافة إلى المختصين مثل جوزيف ستيجلز (الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد) يشيرون إلى أن أحد أهم أسباب تفاقم الأزمة المالية العالمية هو ضعف كفاءة وفاعلية الأنظمة المالية الحكومية، لذلك يؤكدون أهمية إصلاح المالية العامة بما تشمله من أنظمة مالية وتشريعات وأنظمة رقابة مالية. وفقاً لآراء المنادين بالإصلاح المالي، فإنه على الرغم من أن الإصلاحات المقترحة لن تمنع حدوث أزمات اقتصادية في المستقبل إلا أن هذه الإصلاحات ستساعد على التقليل من أثر الأزمات الاقتصادية المستقبلية في الاقتصادين المحلي والدولي.
في المقابل، في السعودية ونتيجة لارتفاع أسعار النفط أصبح هناك فوائض مالية كبيرة، ما أدى إلى تضاعف الإنفاق الحكومي بين 2008 و2012. هذه الزيادة في الإنفاق مع تقادم وضعف كفاءة وفاعلية الأنظمة المالية المطبقة في السعودية، كل ذلك أدى إلى زيادة في معدلات تعثر المشاريع التنموية، ما يحرم المجتمع والاقتصاد المحلي من الاستفادة القصوى من معدلات النمو الاقتصادي الكبيرة التي تشهدها المملكة في السنوات الأخيرة. من جهة أخرى، فإن مساهمة القطاع الحكومي السعودي في الناتج المحلي الإجمالي تزيد على 50 في المائة، ما يدل على أهمية القطاع الحكومي والأنظمة المالية الحكومية في تشكيل الاقتصاد المحلي والمساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية.
في دراسة لمنتدى الرياض الاقتصادي أجريت في عام 2007، أكدت الدراسة وجوب إصلاح وتحديث الأنظمة المالية الحكومية المطبقة في السعودية مثل نظام الرقابة المالية، إضافة إلى تعزيز الشفافية لتحقيق الفائدة القصوى من الفوائض المالية. وفي السياق نفسه، في تقرير لصندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد السعودي في 2012، أوصى التقرير بإجراء تطوير لأدوات المالية العامة المستخدمة في السعودية كي يتم استثمار الفوائض بالطريقة الصحيحة وتكون باعثا على الاستقرار الاقتصادي وتقليل أثر أي أزمة اقتصادية قد تنشأ من انخفاض أسعار النفط كما حصل مراراً من قبل.
أخيراً، توجه الدولة نحو تطبيق مبادئ الحكومة الإلكترونية لم يقابله التوجه نفسه فيما يخص استخدام التقنية في إعداد وتنفيذ والرقابة على الميزانية العامة، هذا النقص في تطبيق استخدامات التقنية في الأنظمة المالية الحكومية كان له أثر كبير في عدم تطور الأنظمة المالية وغياب الشفافية المطلوبة. مما سبق يتضح أن إصلاح وتطوير الأنظمة المالية الحكومية المطبقة في السعودية مثل نظام المنافسات والمناقصات الحكومية وطريقة إعداد وتنفيذ والرقابة على الميزانية العامة هي حاجة ملحة لا بد من التركيز عليها لدعم التنمية الاقتصادية والسيطرة على الفساد، خاصة إذا علمنا أن بعض الأنظمة المالية الرئيسة المطبقة في السعودية مثل أنظمة الميزانية العامة لم تتغير منذ اعتمادها منذ أكثر من 60 سنة إلا بشكل يسير وغير منظم وذلك للتغلب على مشكلة معينة من دون الأخذ في الاعتبار الخطط الاستراتيجية التي تعتمدها الدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي