لا مناص من تخفيض مصاريف الحكومة
مراجعة سريعة لما تلى 2003 ''بسبب مرور عقد وارتفاع أسعار النفط''، تبين أن الإنفاق العام في ارتفاع مستمر على المطلق، وكنسبة من الدخل القومي وعدم وضوح نسبة الاستثمار من الإنفاق العام. ما سبق ذلك العام كان لا يختلف كثيرا في النموذج، ولكن في الدرجة من ناحية، وعدم استطاعتنا مراجعة أو تغيير النموذج بعد تجربة عشر سنوات، خاصة أننا على أبواب ميزانية جديدة ووقت كاف للمجلس الاقتصادي الأعلى في إدارته الجديدة. ازدياد الإنفاق العام وفقدان الدقة في حجم ونوعية الاستثمار يجعلان الفرز بين القطاعين العام والخاص عملية صعبة. هناك إشكالية في طبيعة الاستثمار من حيث التطابق والخلط أحيانا بين متطلبات البنية التحتية المتأخرة لأسباب أهمها مالية، وبين الاستثمار الذي يدر دخلا مستقبليا. ارتفاع مصاريف الحكومة الجارية يسبب مزاحمة للقطاع الخاص، خاصة من ناحية الطاقة البشرية التي يساء توظيفها بتقليل إنتاجيتها وجعلها عالة على النظام المالي والاقتصادي. تفكيك هذه الاحتكاكات ورصدها إحصائياً تحد كبير.
محرك الاقتصاد الفعلي هو الإنتاجية التي تأخذ بعدا آخر لدينا حين يكون حتى تبني هذا المعيار وقياسه ومتابعة أداء القائمين على الإدارة الاقتصادية من خلال تقنين الإنتاجية مفقودا، وحتى صندوق النقد اشتكى من قلة المعلومات حولها. لعل الجديد في الاقتصاد الوطني هو تبعات السياسة العمالية في تقصي الهجرة الاقتصادية النظامية وغير النظامية منها.
المهارة الاقتصادية تأتي في قدرتنا في التفريق بين استقدام أيد عاملة تضيف قيمة وأخرى تزيد من التكلفة المجتمعية ــــ تكلفة جزء منها منظور وجزء آخر غير منظور ــــ الكثير من هؤلاء يقومون بأعمال معينة في المنظومة الاقتصادية ــــ منهجيا، هذه الأدوار تحد من فاعلية المنظومة العمالية وتسهم في إخفاء دور المواطن اقتصاديا، إضافة إلى استغلال دعم حكومي غير مرشد، فمثلا يقدر دعم الوقود والمنافع بنحو 200 مليار ريال سنويا. النتيجة أن المواطن يصبح مرتفع التكاليف على القطاع الخاص الذي يتنافس على تقليل التكلفة ورفع الإنتاجية، بينما يجد المواطن أن الأجر الحكومي ''في ظل تراخي المطلوب منه'' أفضل من القطاع الخاص. هذه الوضعية تجعل القطاع الخاص في غير عجلة من أمره في الاستثمار في التقنية لإحلال اليد العاملة، مما يجعل القطاع الخاص في وضعية استغلالية وليس وضعية بناء تراكمي. وفي ذلك تشويه لدور القطاع الخاص الضروري لزيادة الإنتاجية.
السياسة الاقتصادية الفاعلة تكاملية وإلا ستفشل ــــ عادة تفشل بسبب سوء تقدير المؤسسات الحكومية لمدى ضراوة القطاع الخاص في استغلال الفجوات والفراغات في النظام وغالبا في التنفيذ. الضحية هو الجسم الاقتصادي وإن استفاد رجال الأعمال على حساب القيمة المضافة والنمو الحقيقي. الوفرة المالية تخفي العيوب الاقتصادية ولكنها لا توقف دورها السلبي. تقدير قياس السالب يتطلب فتح صناديق سوداء مثل استقلال وتفعيل وتوثيق المعلومة لدى مركز الإحصاءات الوطني وشركة أرامكو ''الحاجة لجدول استثمارات محدد''.
ما الحل؟
الحل الناجع والمجرب هو تعريض المواطن لمتطلبات الإنتاجية التي بدونها لن يكون هناك اقتصاد مستدام. نقطة الانعطاف في ترشيد التوظيف ثم تقليصه تدريجيا بالتوازي بالضغط على الهجرة الاقتصادية للمملكة. سيبقى دور الحكومة مركزيا وفي تنام بسبب نمو الاقتصاد وتزايد السكان ولكن علينا إعادة جدول الخيارات إلى حد إعادة النظر في النموذج الاقتصادي. لعلنا نتعلم الحكمة من الصينيين الذين عقدوا اجتماع موسع لأعلى سلطة لمراجعة شاملة وعميقة للخيارات الاقتصادية وظهروا برؤية جديدة تصب في تنامي دور السوق في الاقتصاد لعقلنة توظيف رأس المال البشري والمادي. لعل ندوة اليوم لمناقشة دور القطاع الخاص تحت رعاية مجلس الغرف السعودية تكون فرصة لمراجعة الذات والمسؤولية الوطنية.