الجمعيات الخيرية .. متى تنجح؟

نشرت صحيفة ''المدينة'' في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 أن بعض المشاركين في ملتقى تنظيم الأوقاف الثاني، حذروا من تسجيل الأوقاف تحت مسمى مؤسسة خيرية مرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وأنه من الأخطاء الشائعة جعل نظار الوقف كلهم من العائلة، وأن ذلك لا يعطي قوة للوقف، وينبغي أن يكون هناك توازن في النظارة حفظا للمال وتنميته، وهذا طبعا رأي شخصي لقائله ولا يعني بالضرورة أنه الأصلح.
إن الإسراع في التنظيمات الخاصة بالأوقاف أمر ضروري، ولكن ما نراه الآن من حال الأوقاف وبعض المراقبين عليها يجعل الفرد يستغني عن تعيين وقف في المملكة ويجبر البعض على إنشاء أوقافهم أو مؤسساتهم الخيرية خارجها.
كيف يكون موظف الأوقاف أو غيره أمينا على حفظ أموال الوقف وتنميته أكثر من أصحاب الوقف المستفيدين منه؟ وهذا لا يمنعهم من الاستشارة وتوظيف الغير. وبالتأكيد ناقش المجتمعون وأوصوا بما يرونه في مصلحة حماية وتطوير الأوقاف.
ولكن لندرس أوضاع المؤسسات الخيرية وهي محدودة في المملكة لاقتناع بعض الجهات أن هذه المؤسسات ليست تحت سيطرتها واستغلالها من بعض الأفراد المنتفعين أحيانا. والحمد لله أن في وطننا كثيرا من الناس يحبون فعل الخير ويؤمنون بالصدقة الجارية، وطبعا هؤلاء غير الذين لا يُخرجون زكاتهم المشروعة ولو أخرجوها لاستغنى كثير من المحتاجين، ولا شك أن التنظيمات القادمة في تطوير تحصيل الزكاة وزكاة الأراضي والعقار ستزيد من الدخل المخصص لمستحقي الزكاة.
وشخصيا لا أمانع في بناء مسجد مثلا وأسلمه للأوقاف لتديره، فهذا عمل يسير، أما أن أسلمها مالي الذي أخصصه لي أو لأعمال الخير من حر مالي، فأنا وأبنائي ومن يعينونهم من النظار هم أولى بالمحافظة على هذا المال. المفروض أن يكون عندنا الآلاف من الشركات الوقفية وكذلك المئات من المؤسسات الخيرية - وليس الجمعيات الخيرية إلا بعد أن يصلح حالها.
إن وزارة الشؤون الاجتماعية وضعت الأنظمة التي فعلا لو طبقت لنجح كثير من هذه الجمعيات. إن المال السايب يعلم السرقة أو الاستغلال ولا يمكن للجمعيات الخيرية أن تنجح دون ضوابط، والوزارة وضعت الضوابط الدقيقة للجمعيات والمؤسسات الخيرية ولكن أين تطبيقها. وأقترح أن تدقق الوزارة أولا على موظفيها ثم أسألها، أو أسأل كل فرع من فروع الوزارة كم جمعية خيرية لا تلتزم بتعليمات الوزارة المتعلقة بمسك الدفاتر المحاسبية وتطبيق إجراءات الرقابة الداخلية التي تضمن حماية أصول الجمعية من الضياع أو التلف أو التلاعب؟ كم جمعية خيرية لم تقفل سنواتها المالية حسب النظام، ولا أقول سنة، بل عدة سنوات؟ والجواب عند الوزارة. كم من هذه الميزانيات لم تراجع؟ كم جمعية خيرية لم تعقد أي جمعية عمومية لاعتماد القوائم المالية؟ ولماذا لم تجزَ هذه الجمعيات المقصرة أو تقفل حسب النظام لعدم التزامها بالضوابط المحددة من الوزارة؟!
كم جمعية توظف أقارب أعضاء مجلس إدارتها وأصحابهم وأقارب موظفي الوزارة؟ يجب إصدار قرار بمنع توظيف أو التعامل التجاري مع أي فرد له قرابة بأعضاء المجلس أو موظفي الوزارة. هل يتبادل بعض أعضاء الجمعيات الخيرية وموظفي الوزارة الهدايا أو الهبات أو توظيفهم خارج الدوام في الجمعية والدفع لهم من أموالها حتى يتغاضوا عن التقصير؟ كل هذه افتراضات يجب أن تراقب وتدقق وتصدر التعليمات بمنع ذلك أو أي عمل يؤدي إلى المفاضلة أو الاستغلال لأموال أي جمعية أو منفعة لأي موظف من موظفي الدولة.
النظام يمنع أن يتقاضى أعضاء مجلس إدارة أي جمعية أو مؤسسة خيرية أي رواتب أو مكافآت، أي أن عملهم تطوعي لوجه الله ومن لا يرغب يترك ويأتي غيره، كما عليه عدم تنفيع أقاربه أو أقارب أي جهة حكومية لمنفعة شخصية له أو لأعماله، فكم عضو مجلس إدارة يطبق ذلك؟
الجمعيات الخيرية وليس المؤسسات الخيرية تتسلم معونة من الوزارة، لذلك ينبغي المحافظة على هذه الأموال؛ لأنها أمانة لدى الجمعيات ولا يمكن استغلالها. ينبغي أن يكون هناك إفصاح سنوي من كل عضو بالشهادة أنه لا يتسلم أي راتب أو مكافأة مقابل عضويته في مجلس الإدارة، وأنه لا يعرف أي قريب له وُظف في الجمعية خلال السنة، وأنه لا يوجد أي شخص من الوزارة أو قريب لموظفي الوزارة في الجمعية يعمل بوقت دوام جزئي أو مستشار يدفع له مكافأة أو خلافه من أموالها. يجب أن يكون هذا الإفصاح السنوي لكل من يرغب في عضوية مجلس إدارة أي جمعية أو مؤسسة خيرية. ولا شك أن هناك قليلا من الجمعيات ملتزمة بقرارات وضوابط الوزارة، أي ينبغي ألا تكون هناك مصالح مشتركة بين موظفي أي جهة حكومية وإدارات الجمعيات والمؤسسات الخيرية.
كم جمعية غير ملتزمة ولديها مخالفات طبقت عليها الوزارة النظام وأغلقتها أو حاسبت أعضاء مجلس إدارتها؟ من المسؤول عن كل هذه المخالفات في الجمعيات الخيرية؟ وكيف يعاقب أو يستبدل؟ وما دور أو مسؤولية الإدارة المركزية في الرياض عن التقارير التي ترفع من الفروع، وماذا يتم بشأنها لضبط كل جمعية؟
ولنسأل الوزارة، هل المؤسسات الخيرية لديها التزام أعلى بتطبيق أنظمتها وتعليماتها؟ فإن كان كذلك فشجعوا الراغبين في إنشاء مؤسسات خيرية، تحت مراقبة الوزارة، ماليا ومدى تنفيذها لأهداف المؤسسة حسب نظامها التأسيسي.
وأنتهز هذه الفرصة لأهنئ معاليه على المجهود الكبير الذي يقوم به لإنجاح وتطوير الشؤون الاجتماعية في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي