التعليم العالي وتعزيز المواطنة

يبدو لبعض طلبة التعليم العالي الذين يضطرون للانتقال بين مدن المملكة، ولعدد من الأسباب المختلفة مثل الظروف العائلية والصحية والاجتماعية، أن الجامعات السعودية لا تقر كثيرا من المقررات المدروسة في الجامعات الأخرى. حيث إن الانتقال بين مدن المملكة يستدعي تحويل الطلبة من جامعاتهم إلى الجامعات في مكان الإقامة. وهنا تظهر المشكلة، تحيث تطلب الجامعات من المحوّلين إحضار وصف المقررات التي تم إتمامها من الجامعة لمعادلتها، وتعمل على دراسة الوصوف وتحليلها، وكثيرا ما تتعلل بنقص في الوصف أو تُظهر اختلافا في المادة العلمية المقدمة التي ربما يعود لاستخدام مرادفات للكلمات تؤدي إلى عدم قبول المعادلة، ليفقد الطالب كثيرا أو أغلب ما درسه في الجامعة السابقة.
تتم هذه العملية بشكل ورقي مع العلم أنه من الأولى وجود نظام موحد لكل الجامعات السعودية يشتمل على الوصف والساعات والمقررات. ولا أظن أن شرط دراسة أغلب الساعات في الجامعة نفسها مقبول للحصول على الدرجة، في ظل نظام تعليم عالٍ وطني موحد.
تكون المعادلة في أغلب الجامعات الأمريكية والأوروبية، قياسا للمهارات والقدرات العلمية للطالب والتحصيل الأكاديمي بشكل عام. وبالتالي نلاحظ معادلة مقررات في تلك الجامعات لمقررات درسها الطلبة في المملكة وباللغة العربية.
من الجدير بالذكر اتفاق وزراء التعليم من 29 دولة أوروبية عام 1999م على إعلان بولونيا في مدينة بولونيا بإيطاليا. وهي عملية عبارة عن اتفاقية بين هذه الدول يعد الهدف الأسمى لها هو إنشاء منطقة تعليم عالٍ أوروبية تعتمد على التعاون الدولي والتبادل الأكاديمي لتسهيل حراك الطلاب والباحثين والخبراء بين أوروبا ومع أجزاء أخرى من العالم. ويأتي هذا من حرص هذه الدول على المعرفة واعتبارها عاملا أساسيا في تعزيز المواطنة الأوروبية، ولاعترافها أيضا بأهمية دور التعليم العالي والتعاون التعليمي في تطوير وتنمية المجتمعات. كما من شأن هذه الاتفاقية زيادة الثقة في جودة المؤسسات التعليمية المختلفة.
تهدف عملية بولونيا أيضا، إلى تحسين كفاءة التعليم العالي في أوروبا والتأكيد على شفافيته، وإمكانية مقارنة معايير وجودة مؤهلات التعليم العالي. وقد تم تصميم الاتفاق ليتسنى لمؤسسات التعليم العالي التكيف مع التغيرات والتنمية المعرفية والمجتمعية،
حيث تعتمد على تطبيق نظام درجات علمية مرفقة بملحق للشهادات يمكن معرفة محتواها من قبل جهات التعليم العالي وجهات التوظيف. ومن مقومات هذه الاتفاقية، النظام الأوروبي لنقل الوحدات الأكاديمية بين الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وهذا النظام يسَّر الانتقال بين الجامعات الأوروبية على الرغم من اختلاف اللغات والثقافات واختلاف أنظمة التعليم.
عملت عديد من الدول الأوروبية على اختلاف لغاتها وحضاراتها وثقافاتها على الاتفاق فيما يخص محتويات وعمليات ومخرجات التعليم العالي، كما عملت على تعزيز فرص عمل للمواطنين الأوروبيين. وأسهمت عن طريق التعليم على ربط أغلب دول أوروبا اقتصاديا وثقافيا. وبالتالي، نرى كيف أدرك الأوروبيون أهمية التعليم العالي لبناء أوروبا الموحدة.
كم كنت أتمنى أن تكون الجامعات مكمّلة لأدوار بعضها. وألا تتنافس فيما بينها حتى في المدينة الواحدة، وأن تشجع على انتقال كثير من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس فيما بينها. نرى انتشار الجامعات السعودية في كثير من مدن المملكة ومحافظاتها، حتى وصلت إلى نحو ٣٥ جامعة وطنية بين حكومية وأهلية. من المتوقع أن تلعب هذه الجامعات دورا مهما في تعزيز الوحدة الوطنية، وأن تشكل نظاما متكاملا ومترابطا، ويكون التعليم العالي عبارة عن شبكة جسور اجتماعية وثقافية وحضارية تعزز المواطنة السعودية وتزيل الحواجز بجعل المملكة منطقة واحدة سعودية للتعليم العالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي