المدرب العالمي .. «وهم»

نجح مدرب المنتخب السعودي خوان لوبيز كارو في العبور بفريقه إلى نهائيات كأس آسيا ٢٠١٥ بسجل "أخضر" خال من الخسائر حتى الآن، كما نجح المدرب الإسباني في مسح جزء من صورة "الأخضر" السيئة في عيون وأذهان جماهيره والتي تشكلت بعد ثلاثة أعوام من الفشل المستمر. اللافت في نجاح لوبيز كارو "المرحلي" مع السعودية هو قدرته الفعالة والسريعة على إزالة الترسبات المتخلفة من حقبة الهولندي رايكارد "السيئة" بكل أوجهها ومعانيها. فعل (الواقعي / المجتهد) كارو ما لم يفعله (العالمي / المتعالي) رايكارد، وبين تجربة هذا وذاك عبرة لمن أراد أن يعتبر.
لست هنا بصدد المبالغة في المديح أو حتى الإطالة في الثناء على هذا الإسباني الذي لم يمض على تعيينه سوى شهور قليلة، وإنما أريد لفت نظر القارىء إلى مسألة عجيبة وهي ذلك (الوهم) الذي تجرعناه لسنوات و(المقلب الكبير) الذي شربناه حتى أدمنّا شربه، وأنا هنا أعني سراب "المدرب العالمي" الذي عقدنا آمالنا عليه، وربطنا تطور منتخباتنا بقيادته لها، فتعلقنا به حتى طارت معه أموالنا وتبعثرت ما بين أوروبا وأمريكا اللاتينية، وكانت نتيجة "التعاقدات المليونية" مع هذا الصنف من المدربين حتى الماضي القريب: (صفر) ولله الحمد الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه.
من الظلم أن نحمل "الخواجات" وزر أخطائنا وضياع أموالنا وتردي نتائجنا، فهؤلاء لم يفرضوا أنفسهم على متخذي القرار في اتحاداتنا المحلية، بل إنهم تلقوا عروضاً مغرية تشرح الجيوب قبل القلوب، ووافقوا عليها وفق إجراء تعاقدي قائم على تراض متبادل بين طرفي التعاقد، فالخطأ هنا يقع على الاتحادات التي كان بعضها وما زال بعض آخر منها يتعامل مع ملف اختيار مدربي المنتخبات كتعامله مع مراسم الخطبة والزواج؛ إذ يتركز بحثهم على الاسم والصيت وحُسن السيرة مع إهمال عنصري الملاءمة والكفاءة. ولو قمنا معاً بإجراء مسح سريع لتصريحات المسؤولين في اتحادات الخليج العربي ومحاولاتهم تبرير خطأ الحسابات والتقدير في خياراتهم التدريبية، لوجدنا أن المعايير المتبعة من قبلهم خلال مراحل اختيار الأطقم التدريبية لا تتواكب مع واقع منتخباتنا ولا تلبي حاجاتها الفنية، ففي الغالب يكون غرض التعاقد مع "مدرب عالمي" هو إحداث "فرقعة إعلامية" في الشارع الرياضي ونيل مزيد من الإطراءات الإعلامية والجماهيرية المخدرة وعلى حساب "الميزانية" واللعبة دون شك.
جميع ما سبق ذكره لا يعني بالضرورة مطالبتي بعدم الاستعانة بالخبرات والكفاءات التدريبية العالمية، فلا أرى مانعاً من ذلك بشرط الاستغلال الصحيح لتلك الخبرات والكفاءات بما يتناسب مع واقعنا، فواقع الحال في الخليج يحكي أن العلاقة بين اللاعب الخليجي والمدرب العالمي هي علاقة غير متكافئة تعوقها الفوارق الشاسعة في الثقافة الكروية والنواحي الانضباطية والأنماط المختلفة لكرة القدم بين الخليج وأوروبا مثلاً. وإذا ما أردنا استغلال "العالميين" خير استغلال فعلينا حصر التعاقد معهم في النواحي الاستشارية وتكليفهم برسم استراتيجيات بعيدة المدى لتطوير اللعبة في دولنا وفق سياسات بناء موضوعية ومتزنة تبدأ من القاع، وليس من رأس الهرم على غرار ما هو حاصل الآن في احترافنا الأعرج. ولنتعامل مع منتخباتنا بمنهجية أكثر واقعية حتى نتمكن من تحقيق أهدافنا عبر أسهل وأوفر الطرق.
آخر فنجان: المدرب العالمي "وهم" نتج عن قصر النظر وسوء الفهم!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي