العدل بالتباين
يعتمد عديد من الأنظمة المؤسسية على المساواة من باب العدل، مع ذلك، قد يطالب الباحثون عن العدالة بالحذر من التطبيق الشكلي للمساواة الذي قد لا يحقق العدالة. حيث إن اعتماد المساواة بعض الأحيان بين كل المستفيدين من خدمة ما قد تكون غير عادلة، وتتعدّد أشكال العدل غير المعتمدة على المساواة. هل تعد المساواة في مكافآت الطلاب في التعليم العالي من العدل بينهم؟ بغض النظر عن تخصُّص الطالب والعبء الدراسي، فالطلبة يتفاوتون حسب اختلاف خلفياتهم الاجتماعية، فيوجد منهم الطلاب المنتمون إلى أسر ثرية جداً أو غنية أو متوسطة الحال أو فقيرة أو مدقعة الفقر، ومنهم مَن يقيم مع أسرته ومنهم مَن يأتي من خارج المدينة ويتكفّل بتكاليف السفر والإقامة.
من أنواع المساواة التي يلاحظها البعض، اعتماد عدد من المؤسسات المساواة في دفع الرسوم بين أفراد المجتمع. فعلى سبيل المثال، جميع الأسر تلتزم بدفع رسوم محدّدة للعمالة المنزلية، يبدو للبعض أن هذا الأمر محمود لمساواته بين جميع الأسر في دفع الرسوم المعنية. ولكن بالنظر إلى هذه الأسر نرى تفاوت حاجاتهم إلى العمالة المنزلية، يضطر الناس إلى استقدام العاملات المنزليات والسائقين لأسباب مختلفة. فقد لا يتوافر لبعض الآباء العاملين مَن يجالس أطفالهم في أثناء عملهم أو مَن يساعد ربة المنزل في الأمور المنزلية، كما يحتاج كثير من الأسر إلى توفير مَن يعاونهم على توصيل أبنائهم للمدارس، ويوجد أيضا لدى بعض الأسر مَن يحتاج إلى المساعدة المستمرة مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو كِبار السن، وهناك عددٌ من الأسر التي تستقدم العاملة المنزلية من دون وجود حاجة ملحة ولمجرد قدرتها على ذلك أو للمباهاة.
لعل من المُجدي إعفاء مَن لديهم حالات إعاقة أو كِبار سن بحاجة إلى الرعاية من رسوم العمالة المنزلية. تباعاً، يرى البعض أنه من الأجدر الابتعاد عن المساواة في الرسوم ومراعاة اختلاف حاجات الناس وقدراتهم، حيث تزيد الرسوم بنسبة محدّدة عن كل زيادة للعمالة المنزلية، كون العدل بالمساواة في رسوم العمالة بين الأسر التي لا تستقدم إلا عاملاً واحداً مع الأسر التي تتعدّد العمالة فيها أو تبالغ في عددها قد لا يبدو منصفاً. وينطبق الأمر نفسه على رسوم السيارات وتعددها ورسوم البناء بغض النظر عن الحجم.
من أنواع المساواة في بعض الدول، اعتماد تسعيرة ثابتة لجميع المستفيدين من خدمة ما، تزيد قيمة التسعيرة عند تجاوز المستفيد من الخدمة الحد الأدنى المحدّد من قِبل المؤسسة. ونرى ذلك في أنظمة دفع الضرائب في بعض الدول الأجنبية حيث يُعفى ذوو الدخل المحدود من دفع الضرائب على أموالهم، ويبدأ دفع الضريبة بناءً على شرائح محدّدة تزيد قيمة الضريبة بتجاوز حدود هذه الشرائح. في المعونات الاجتماعية في بريطانيا، على سبيل المثال، تتناسب الرسوم الدراسية الجامعية مع مستوى دخل الأسرة المادي وتراوح بين ثلاثة آلاف جنيه استرليني وإعفاء كامل من الرسوم إضافة إلى معونة تقدم للطالب.
في هذا القبيل، أحسب أن شركة الكهرباء خطت خطوة جيدة باعتمادها رسوم استهلاك حسب شرائح محدّدة. حيث تزيد الرسوم بزيادة الاستهلاك الشهري وتعتمد شركة الكهرباء نظاماً يفرق في تسعيرة الاستهلاك المنزلي والاستهلاك الصناعي أو الزراعي، وفي اتباع هذه الطريقة تشجيع على الترشيد في استخدام الكهرباء. آمل أن أرى أنظمة مقترحة من مجلس الشورى تراعي فئات المجتمع المختلفة ومستويات دخلها المادية وقدرتها على الإسهام في التكاليف أو الحاجة إلى المساعدة.