قطاع الكيماويات الصيني يعاني آلام التوسع والحجم الكبير
المقصود بالتماثيل الخشبية لفيلين ونسر، الموضوعة على جانبي ممر مؤد إلى مصنع يونواي للمواد الكيماوية، هو الإشارة إلى الحكمة والازدهار. لكن يمكن اليوم أن يكون لهذه التماثيل تفسير مختلف تماماً، وهو حمولة الديون الثقيلة والأشخاص الذي ينبشون في نفايات الشركة.
بصوت ناعم يقول مسؤول تنفيذي في شركة يونواي بعد أن عاد من رحلة عمل استهدفت بيع كميات أكبر من فحم الكوك الصلب الأسود المكوم عالياً في مخازن الشركة في كويجينج في مقاطعة يونان الواقعة في الجنوب الغربي للصين: ''كثير من الشركات الصينية سارعت إلى التوسع لتكون الأكبر في العالم. كان هذا مصدراً لفخر كبير، لكننا نرى الآن أن ذلك أصبح مصدراً للصداع''.
لم تستطع شركة يونواي، المدرجة في بورصة شنغهاي، أن تصل إلى قائمة الطبقة العليا من شركات الصناعة الكيماوية في الصين، ناهيك عن أن تصل إلى النطاق العالمي. ولم يكن ذلك نتيجة لقلة محاولاتها في هذا المجال، فقد ضاعفت من أصولها 30 مرة أثناء فورة من الاستثمارات في العقد الماضي، وبنت مصنعاً لأسيتات الإيثيلين، وخطاً لإنتاج كربيد الكالسيوم، ومصنعاً لتكرير الفحم، وغيرها كثير.
والمشكلة هي أن منافسي هذه الشركة فعلوا الشيء ذاته. وبعد أن بدأ الاقتصاد الصيني بالتباطؤ قلت الحاجة للمواد الكيماوية، وبذلك تكشفت الفوائض المتراكمة لدي شركة يونواي. وفقدت الشركة 1.2 مليار رنمينبي (196 مليون دولار) في العام الماضي، في وقت كانت تستخدم فيه فقط ثُلثي طاقتها الإنتاجية. وتجنبت هذه الشركة عمليات تسريح جماعي للعاملين فيها عن طريق فرض نظام طويل من الإجازات غير المدفوعة. وبدأت باقتراض النقد للبقاء عائمة (حتى يكون لها اكتفاء مالي ذاتي). وتضاعفت نسبة الدين إلى الأصول ثلاث مرات منذ عشر سنوات، لتصل اليوم إلى 90 في المائة، ما يجعلها واحدة بين أكثر 100 شركة صينية غارقة في الديون، بحسب شركة ويند الصينية لتزويد البيانات.
إنه اتجاه تصاعدي في المديونية يتكرر عبر الصناعة الكيماوية. ويقول رين جيانكسين، المدير العام لشركة كيم تشاينا، أكبر منتج للمواد الكيماوية في البلاد، إن الشركات أخطأت في تفاؤلها بشأن الاقتصاد الصيني.
وهذه فقط نقطة من بحر متاعب الديون التي تعانيها الشركات في الصين. وتعتبر الكيماويات مواد لقيم أساسية لكل شيء، من الفولاذ والبلاستيك إلى النسيج. ولذلك تعكس أزمة شركات الكيماويات المشاكل المالية المنتشرة في جميع أنحاء الصين.
وأحدث ارتفاع مستويات الديون الحكومية انتباهاً كبيراً في السنوات الأخيرة، لكن الزيادة في ديون الشركات أكبر حتى من ذلك. فقد ارتفعت من 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 إلى 124 في المائة، أي 64 تريليون رنمينبي في نهاية العام الماضي، بحسب أرقام نشرها بنك جيه بي مورجان.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، متوسط نسبة الدين إلى حقوق الملكية في الشركات الصينية زاد إلى ما يقارب 110 في المائة في العام الماضي، ما يجعل قطاع الشركات في الصين الأكثر من حيث الرفع المالي العالي من بين كل الشركات في الأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى. وبالمقارنة، كانت نسبة الديون إلى حقوق الملكية في شركات البرازيل أقل من 100 في المائة، وفي الهند قريبة من 80 في المائة، وفي روسيا 60 في المائة.
وتم النظر إلى عملية التحفيز التي أطلقتها بكين لمواجهة الأزمة المالية العالمية في حينها، على أنها عملية إنقاذ للشركات، لكن كثيرين اليوم يلومونها باعتبارها السبب في ارتفاع الدين وفائض القدرة الإنتاجية. ويقول المسؤول التنفيذي في شركة يونواي، وهو يتكلم مشترطاً عدم ذكر اسمه: ''لم يكن من الممكن تجنب ذلك. لقد جرتنا الحكومة إلى ذلك''.
واكتسب السباق نحو الاستثمار وزيادة الحجم زخماً من تلقاء ذاته وتم صنع كميات فوق الحد من الفولاذ. لكن ما دامت عملية بناء المصانع والبيوت الكثيرة مستمرة، فلا بد أن تكون لها سوق متضخمة بصورة مصطنعة. وكانت النتيجة زيادة مستمرة في الرفع المالي عملت على تآكل قوة ميزانية الشركات، كما يقول صندوق النقد الدولي.
والديون منتشرة، ومن الصعب تجنبها. مثلا، يدير فانغ بيوين شركة لقطع السيارات في ضواحي شنغهاي، وتنتشر في أرجاء مكتبه روائح الشحوم وأصوات قاطعات المعادن. وشركته صغيرة لدرجة لا تسمح له بالاقتراض من البنوك الصينية التي تفضل إقراض شركات كبيرة، هي في العادة شركات مملوكة للدولة، لكن تزايدت ديونه في دفاتر حساباته في السنتين الأخيرتين، لتصبح على الشكل الشائع في الصين.
وبدأ عملاؤه، وبعضهم من أكبر شركات صناعة السيارات الصينية، الدفع له بمبالغ أقل من النقد. فقد أعطوه مثلاً، أوراق قبول من البنوك – وهي عبارة عن كمبيالة مضمونة من قبل بنك معين يمكن تحصليها نقداً عند تاريخ الاستحقاق، الذي يكون عادة بعد ستة أشهر. ويقول فانغ إن أوراق القبول تشكل ثلثي الدفعات التي تتلقاها شركته. وهذا يعني أنه لا يملك ما يكفي من المال النقدي للدفع إلى الموردين، إلا إذا كانوا أيضا على استعداد لقبول سندات دين بدلا من المال. ويقول وهو يهز كتفيه: ''بعض الشركات ترفض أوراق القبول البنكية وتصر على النقد. أنا صغير جداً، وليس لدي خيار''.
وأخرج محاسبه إحدى أوراق القبول، تبلغ قيمتها أكثر قليلاً من مليون رنمينبي (163 ألف دولار). وهي صادرة من شركة سيارات في جيلين في شمال شرق البلاد وكان قد تم بالفعل استخدامها للدفع مرتين - في كل مرة، كانت تقوم شركة مختلفة بوضع الختم الرسمي الخاص بها عليها - قبل أن ينتهي بها المطاف في يدي فانغ. وبالنسبة للصين ككل، كانت أوراق القبول المذكورة الخاصة تشكل فقط 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008، ثم ارتفعت إلى أكثر من 11 في المائة العام الماضي.
وأمرت الحكومة التي تحاول احتواء المخاطر، البنوك منذ فترة طويلة بوقف الإقراض للقطاعات ذات الطاقة الإنتاجية الزائدة، لكن ''البنوك التي تعمل في الظل''، مثل شركات الائتمان، تولت ملأ الفجوة ـ وفي الفترة الأخيرة جعلت الأجهزة التنظيمية من الصعب عليها الحصول على التمويل. وبدأت بكين أيضاً في تشديد القبضة على إصدار أوراق القبول البنكية، ووافق المقرضون على عدد أقل بكثير من هذه الأوراق في أيار (مايو) الماضي.
وكان التأثير المشترك لهذه التدابير المشددة هو ارتفاع تكلفة التمويل. وهذا يعني إكراه الشركات في مختلف القطاعات، من الملابس الرياضية إلى الصناعة الثقيلة، على الحد من أعباء الديون، غالبا عن طريق تقليص حجمها.
ويقول التنفيذي في يونواي إن البنوك المحلية تطالب الشركة بدفع أسعار فائدة مرتفعة تصل إلى 8 في المائة، أي نحو 30 في المائة فوق المستوى القياسي.
وهذا واقع جديد صعب. ويقول: ''اعتدنا على الحصول على قروضنا بناءً على أسعار فائدة قياسية لأنه كان ينظر إلى الجدارة الائتمانية للشركات العامة المدرجة والمملوكة للدولة على أنها جيدة جداً''. وفي تموز (يوليو)، أعلنت يونواي أنها تأمل في جمع 870 مليون رنمينبي من خلال بيع مجموعة من مرافقها. وقد بنيت بعض هذه الأصول قبل بضع سنوات فقط، عندما كان النقد سهلاً وكثر التفاؤل.
ويقول التنفيذي: ''بالطبع، كنا نعرف أن للاقتصاد دورات وأن من الممكن أن تكون فيه حالات من التراجع والهبوط. لكن حين كانت الأوقات جيدة، لا أستطيع أن أقول إننا كنا نتوقع أن الأمر سيصل إلى هذه الدرجة من السوء''.
وفي الوقت الذي تتدهور فيه الأمور، لدى يونواي على الأقل متكأً تستند عليه، إذ تعود ملكية الشركة الأم لحكومة مقاطعة يونان، وأظهر المسؤولون في الصين مراراً أنهم كارهون للغاية لرؤية أبطالهم المحليين يتعرضون للفشل.
وتعتبر شركة بناء السفن رونجشينج، وشركة صناعة المنسوجات شاندونج هيلون، وصن تك التي تنتج ألواح الطاقة الشمسية، ثلاث حالات بارزة من الشركات التي تلقت الدعم الحكومي الحاسم منذ بداية العام الماضي.
هذا لا يحل المشكلة، فمع عمليات الإنقاذ المستمرة، أصبح ما يعتبر من الناحية الاسمية ديون شركات ديناً حكومياً بشكل سريع جداً. ويسمح هذا للصين بتجنب ألم التخلف عن السداد، لكن يبقى الدين موجوداً في النظام، لكنه فقط في شكل مختلف قليلاً.
ويقول تنفيذي صيني يعمل لدى شركة دولية كبرى للمواد الكيماوية إن يوم الحساب ليس بعيداً، ويضيف: ''الشتاء يقترب. يمكنك أن تخلع معطفك وتدعي أن الجو دافئ، لكن في الواقع يكون ذلك بداية لسعة''.