منع قيادة المرأة للسيارة من «تقييد المباح» بالتأصيل الشرعي
اعتبر الشيخ صالح بن حميد عضو هيئة كبار العلماء رئيس مجمع الفقه الإسلامي في جدة، منع قيادة المرأة السيارة من تقييد المباح لأجل تحقيق هدف وغاية أسمى، مشيرا إلى أنه قد يعاد الحق للمرأة في القيادة مستقبلاً، كون الراعي له صلاحيات هذا، ويجب على الناس السمع والطاعة.
#2#
جاء ذلك وسط نقاش دائر حاليا من مختلف شرائح المجتمع السعودي حول قيادة المرأة السيارة، اختلفت فيه الآراء ما بين مؤيد ومعارض، وكل لديه حجج يراها الأصوب في ذلك.
''الاقتصادية'' التقت عددا من المشايخ والعلماء لأخذ آرائهم في القضية، حيث أكد الشيخ صالح بن حميد، أن تقييد المباح في الأصل لا يتعارض مع أصول الشريعة وقواعدها، إذ إن التأصيل الشرعي لمبدأ تقييد المباح يستند في ذلك إلى النصوص الشرعية، موضحا أن المباح ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك من غير بدل.
#3#
من جهته، أوضح الشيخ علي الحكمي عضو هيئة كبار العلماء أن موضوع قيادة المرأة أخذ أكبر مما يستحق من الجدل والنقاش، مضيفاً: ''اتركوا الموضوع للجهة المسؤولة لتتخذ فيه الرأي الحاسم ولو بعد حين''، مشيراً إلى أن الكلمة النهائية في هذا الموضوع عند المشرع الذي يسن القوانين والأنظمة التي قد تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان.
#4#
وفي الموضوع ذاته، قال الدكتور محمد السعيدي أستاذ علوم أصول الفقه في جامعة أم القرى، إن أي أمر تغلب مفاسده على مصالحه فهو محرم في الشريعة الإسلامية.
ووفقاً للسعيدي فإنه بنى حكمه على فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في عام 1990 بعد أن حرم قيادة المرأة للسيارة كون المفسدة فيها أعظم، وقال: ''من المعروف أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح وهذا أصل معروف في الشريعة، مؤكدا أن الحكم قد يتغير فيما لو جاءت المصلحة في قيادة المرأة أكبر من مفاسدها، مشيراً إلى أن العلماء وقتها لن يمنعوا قيادتهن.
وأكد السعيدي أن وجهة نظره في تحريم قيادة المرأة السيارة حالياً ترجع إلى مفاسد بيئية واقتصادية وليست دينية، قائلاً: ''من ضمن المفاسد الاقتصادية كثرة السيارات في السعودية بعد السماح للمرأة بالقيادة، حيث إن السعودية لديها قرابة 13 مليون سيارة بينما عدد السكان من مواطنين ومقيمين يشكلون 27 مليون نسمة، أي أن هناك سيارة لكل مواطنيْن وهذا يؤكد على كثافة السيارات الكبيرة لدينا، التي لا يمكن للبنية التحتية تحملها حالياً ما لم يتم تطبيق مشاريع النقل الجماعي في أسرع وقت من قطارات وحافلات''.
وطالب السعيدي تأجيل مطلب النساء قيادة السيارات حتى تطوير البنية التحتية للمواصلات، مضيفاً: ''إذا تغيرت البنية التحتية للسعودية قد تحلل قيادة المرأة''.
ولفت السعيدي إلى أن السعودية تنفق على السيارات نحو ثمانية مليارات ريال سنوياً ونسبة التضخم بشراء السيارات تصل إلى 5,4 في المائة، بينما نسبة زيادة السكان 2,5 في المائة، أي أن زيادة السيارات أكبر من نسبة زيادة السكان.
ورفض السعيدي ما خرج به بعض الاقتصاديين الذين أكدوا أن السماح بقيادة المرأة السيارة سينمي اقتصاد السعودية بالاستغناء عن العمالة الأجنبية من السائقين الذين ينفق عليهم مبالغ ورواتب ضخمة يذهبون بها إلى الخارج، مشبهاً ذلك بتكرار المشهد الكويتي ومشاهد لدول خليجية عديدة احتفظت بنسب كبيرة من السائقين الأجانب مع أن النساء لديهم يقدن السيارات.
وأوضح أن من أسباب منع المرأة من القيادة تتعلق أيضاً بأعداد القتلى سنوياً من الشباب من جراء حوادث السيارات التي وصلت إلى 7150 مواطنا، حيث ماثلت نسب القتلى في الحروب، إضافة إلى 64 ألف إصابة سنوياً من جراء الحوادث، مشدداً على أن الحل الذي يجب أن تتخذه السعودية حالياً هو الحد من قيادة السيارات سواء للرجال أو النساء، قائلاً: ''نحن في وقت لا نحتاج فيه لأن نقود سيارة، بل لأن يتم توفير وسائل نقل حديثة بتوفير شبكة قطارات تشمل السعودية بالكامل''.
#5#
من جانبه، أكد الدكتور حاتم الشريف الباحث الشرعي عضو مجلس الشورى، أنه يجب ألا يدعي من يحرم قيادة المرأة السيارة أن غلبة مفاسدها تسود عليها، وفي الوقت نفسه لا يدعي من يبيحها بضوابط وشروط أن غلبة مفاسد منعها غلبة مقطوع بها، كون المسألة ظنية، والمسائل الظنية لا يجوز فيها الإنكار، لافتاً إلى أن أغلبية المشايخ اتفقوا على أن قيادة المرأة السيارة ليست محرمة لذاتها، فالأصل فيها الإباحة، وأنها لا تكون محرمة إلا إذا غلبت مفاسدها عليها، وقال: ''يجب عدم الإنكار من المحرمين على المبيحين، وعدم وصفهم بالتغريبيين ونحوه من أوصاف التشنيع، وعدم إنكار المبيحين على المحرِّمين، وعدم وصفهم بأنهم متزمتون ورجعيون ونحوها من التشنيعات''.
وبين الشريف أن البعض يغفل عن شرط (غلبة) المفاسد، فيدعي أن تحقق المفاسد أمر متيقن؛ لأن تحقق بعض المفاسد من قيادة النساء أمر لا شك فيه، ويقصد بذلك أنه لا بد من حصول مفاسد على بعض النساء، وهذه الغفلة لا تنتج إلا من ضعف التدقيق وقلة الفقه؛ لأن الدنيا لا تخلو من المفاسد؛ ولأن تحقق المفاسد، بمعنى تيقن وقوع بعضها من النساء عموما، لا ينحصر في قيادة المرأة للسيارة، بل خروج النساء من بيوتهن مطلقا (ماشية أو راكبة) تتحقق به مفاسد متيقنة، وقعودهن في بيوتهن قد تتحقق به مفاسد.
وعن آراء بعض المشايخ الذين لا يقبلون وضع ضوابط لقيادة المرأة السيارة، لفت الشريف إلى أنهم دائما ما يذكرون أن سبب ذلك المنع هو أن التغريبيين سيتخذونه جسرا للمفاسد، مضيفاً: ''حفظنا عنهم ذلك منذ عرفنا القراءة والكتابة، ومع ذلك فإننا كلما خالفناهم في اجتهادهم، ظنوا أننا ما خالفناهم إلا لغفلتنا عن ذلك المخطط التغريبي، وكل مرة إذا تكلموا عن المخطط التغريبي تكلموا عنه على أنه التأصيل العلمي العميق الذي يغفل عنه السطحيون، مع أن السطحي حقا هو من ظن أن هذا الموضوع من الممكن أن يغفل عنه عاقل''.
وحذر الشريف في الوقت نفسه من التفاخر بنجاح فتوى التحريم والممانعة المطلقة لمدة 30 سنة ماضية، منعت فيها كثير من المفاسد والشرور بتلك الفتوى، واستطرد الشريف قائلا: ''ليس هذا مفخرة، فإذا كان من الممكن وضع الضوابط التي تعيد الحلال إلى حليته؛ لأن تحريم الحلال لا يجوز، فكيف يفتخر بتحريم المباح!''.