شركات بدون مكاتب .. مفهوم «موبايلي»
ذهبنا لتهنئة الوزير الجديد. دخلنا الطابق الذي يحتله مكتبه، أتوقع أن مساحة المكتب وما كان يتبعه من سكرتارية ومستشارين واتصالات وقاعة استقبال يتجاوز الألف متر مربع. شكا معاليه من أن الوزير الذي سبقه كان مسرفاً في المساحات، حتى أن المكتب المخصص له كان يضم أكثر من أربع جلسات منفصلة ''على نمط المختصرات''، لم أعرف سبب وجودها.
مرت الأيام وأنا امتدح فكر الوزير ورؤيته العقلانية في ضرورة تقليص حجم البيروقراطية المكانية والزمانية والتنظيمية. مررت أمام الوزارة بعد نحو سنة فلاحظت بدء إنشاء مبنى يتوسط مباني الوزارة، وبشكل راق يدل على عناية خاصة وتصميم فريد. توقفت لأتعرف على المبنى، وإذا به يحمل لوحة تقول ''مبنى مكتب معالي وزير..''. كانت صدمة كبيرة لي أن يتغير مفهوم الرجل خلال فترة قصيرة لهذه الدرجة.
إن أي تغيير في المفاهيم لابد أن ينبع من رأس الهرم. فإذا أراد الوزير أن يحافظ الموظفون على أوقات الدوام، فعليه أن يكون أولهم، وإن أراد منهم أن يلتزموا بالنظام الذي يحكم الدخول والخروج والوقوف فعليه أن يفعل. هذه مرحلة أولى وقديمة جداً. لقد تجاوز العالم هذه المفاهيم إلى غيرها. أعطيكم أمثلة من الحكومات ثم أتوجه لموضوع مقالي هذا:
أولى التوجهات هي إلغاء تخصيص المواقف حسب الوظائف. يدفع هذا الجميع إلى الحضور المبكر للحصول على المواقف الجيدة. ثم جاء التوجه إلى توحيد خدمات السكرتارية لأكثر من مدير عام أو وكيل وزارة. بل إنك في بعض الوزارات في دول كثيرة تجد البرامج الخاصة لكل المراتب العليا مسجلة وغير قابلة للتعديل إلا في حالات المرض أو الطوارئ، وهو ما يلغي الكثير من المخالفات التي نشاهدها في إداراتنا الحكومية التي لا تخضع لأي من تلك المفاهيم التنظيمية البسيطة.
يأتي في المقام التالي التعريف بمستجدات بسيطة يمكن أن تطور الوضع الإداري والإنجاز بشكل غير مسبوق. إلغاء المسميات والأرقام التي تحملها مواقف السيارات ''التي أصبحت من العلل التي تعيشها أغلب إن لم تكن كل الوزارات والهيئات الحكومية''، يؤدي إلى تنمية مفاهيم أهمها أن الوزارة أو الهيئة هي لخدمة المواطن فهو صاحب الحق الأول في المواقف. ثم يأتي حق أولئك المنضبطين في الحضور ليكونوا أصحاب حظوة وهو ما سيؤثر آلياً على الحضور المبكر من الجميع.
يأتي في السياق نفسه التوقف عن المباهاة بحجم المكاتب وعدد العاملين وانتمائهم وعلاقتها بحجم المنصب أو الموقع في الهيكل التنظيمي. يؤدي هذا إلى أن يعمل الجميع على ضبط الأعداد والاعتماد على الكفاءة والمهارة لتحقيق المطلوب. سيتحول هذا تدريجياً ليصل إلى أسفل السلم الوظيفي، وتتحول الوزارة إلى خلية نحل، بدل أن تكون مرتعاً للبطالة المقنعة وأصحاب الواسطات والعلاقات الشخصية.
دفعني لهذا الحديث ما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة موبايلي المهندس خالد الكاف عن مكاتب الشركة التي ستتفتح عام 2015 ولكنها بدون مكاتب. ليس هناك لوحات تتصدر المداخل تدلك على مكتب فلان أو علان. كل الموظفين بدءا من الرئيس التنفيذي يعملون على مواقع عمل work stations، ومعلوماتهم موجودة في قاعدة البيانات الرئيسة ويستطيع كل واحد أن يمارس عمله من أي محطة. وهو تطور يستفيد من الخدمات السحابية، حيث تحفظ كل المعلومات ذات الحجم الكبير.
أصدقكم أن هناك مستشارين استغربوا الفكرة بسبب ترسخ البيروقراطية حتى في القطاع الخاص، ولا يزال هناك مشككون في صحة المعلومة. أحيل هؤلاء لشركات الإنترنت الكبيرة مثل ''جوجل و''تويتر'' و''فيسبوك'' التي لا تعترف أصلاً بالمكاتب. يسير في النهج نفسه كثير من الشركات وتتبنى بعض الحكومات مفاهيم الحكومة الإلكترونية التي تمكن الجميع من العمل من أي مكان، فلم لا يكون هذا لدينا نحن؟!