بنك التسليف.. وتمويل المرأة السعودية

تأكيدا على حق المرأة المطلق في الحياة الكريمة، والاستقلال المالي، وحقها في اتخاذ القرار واستثمار ذمتها المالية، قام البنك السعودي للتسليف والادخار بتمويل 450 مشروعا نسائيا بقيمة 54.3 مليون ريال، أي بمعدل 120 ألف ريال لكل مشروع، وهذا خبر لافت جدا، ليس لأنه يتعلق ببرامج البنك، بل لأن البنك كجزء من منظومة الدولة يقوم بدوره الواجب في مد يد العون لبناتنا حتى يجدن فرصة حقيقية لعمل كريم، يتناسب مع قدراتهن، خاصة أن قروض البنك السعودي للتسليف والادخار ليس عليها فوائد، وتمتد إلى آجال متوسطة مناسبة، مما يجعل المشروع ينطلق دون عناء وقلق من مواعيد استحقاق تكلفة رأس المال، وللحقيقة فقد وجدت الاقتصادات الكبرى أن تشجيع العملية الاستثمارية قد يحتاج إلى أن تقوم الدولة بواجبها في مد رجال الأعمال بالمال دون الحصول على عوائد أو فوائد على ذلك سوى بقاء الاقتصاد يعمل بطريقة سليمة، ولهذا فإن أخبار وتصريحات بنك التسليف وباقي صناديق التنمية مهمة جدا لقراءة الرغبة الصادقة لدى الحكومة في تحفيز النشاط الاقتصادي وتحريره، ولأن الحديث يطول حول موضوع المرأة فإن خبرا كهذا يشير بكل صراحة إلى رغبة الدولة الصادقة في تحفيز المرأة لتشارك في الإنتاج، وأن تأخذ حقها الشرعي فيما يتعلق بذمتها المالية وقدرتها على التصرف فيها واستثمارها بما يعود عليها وعلى أسرتها ومجتمعها بالخير.
لقد عاشت المرأة السعودية لفترات طويلة ــــ وما زالت ــــ تمارس عملها التجاري من خلال الوكالة، حيث يقوم الوكيل عنها بإجراء جميع العمليات التنفيذية بدلا عنها، ولكن ظهر أخيرا كثير من الأنشطة التجارية التي لا يصلح أن يعمل فيها الرجل ابتداء، ومن ذلك ما قررته وزارة العمل من منع اشتغال الرجال بالعمل في عدد من الأنشطة التي تتعلق بالمستلزمات النسائية ذات الخصوصية، هذا تطور حديث نسبيا، أو على الأقل تطور في مستوى حجم هذا النوع من الأعمال، مما يستدعي أن تمارس المرأة أعمالها بنفسها، خاصة تلك التي تتعلق بعمليات النشاط التي تنتج الدخل، هنا يجب أن نهتم كثيرا بقضية التدريب، فعديد من النساء السعوديات لم يزلن غير قادرات على فهم العملية الاستثمارية الشاملة، ولديهن القليل جدا عن إدارة الأعمال، وعملية اتخاذ القرار، وذلك يعود إلى مستويات التعليم التي تلقتها الفتاة السعودية سواء في المدرسة أو في البيت، فكثير من القرارات تتخذ نيابة عنها، مهما بلغت مصيرية هذه القرارات، أضف إلى ذلك أن معظم الفتيات السعوديات اللاتي يحتجن إلى فرص عمل واستثمار، هن من الحاصلات على مؤهلات ليس لها علاقة بالأعمال التجارية، وهذا يزيد من صعوبة العمل التجاري عليهن. من الجميل بعد كل هذه القلق الذي يساورنا أن يشير البنك السعودي للتسليف إلى أنه حريص على أن يضمن أن هؤلاء الفتيات قد وجدن فرصا استثمارية حقيقية، وليست مجرد رغبة في الدعم والحصول على التمويل، وهنا يطمئننا البنك بأنه يقدم الخدمات غير المالية بطريقة مباشرة أو عن طريق الأذرع التنفيذية له، التي وقّعت مع البنك في الفترة الأخيرة كمعهد ريادة الأعمال الوطني "ريادة"، الهيئة العليا للسياحة، الهيئة الملكية في الجبيل، صندوق المئوية، إضافة إلى حاضنة بادر. هذه الجهات تقوم بعدة أدوار كالتدريب والتأهيل والمساعدة في دراسات الجدوى والاستشارات والرعاية بجميع مراحلها، وغيرها من الخدمات غير المالية للمشاريع.
هذا بالضبط هو ما يصبو إليه أي اقتصاد ناضج، حراك اقتصادي شامل، فتمويل المرأة السعودية للبدء في مشروعها الخاص سيؤدي إلى تشغيل كثير من النساء السعوديات العاطلات فيما يناسب خبراتهن، وأيضا قيام البنك بتمويل مشروعات في مؤسسات خدمية مرتبطة أيضا سيعمل كرافعة اقتصادية لهذه المؤسسات الخدمية ويحقق لها أهدافها المرسومة، وتقوم بدورها في تشغيل العمالة، وفي النهاية سيعود كل ذلك بالنفع على الوطن، والمواطن، التنمية المستدامة، وأيضا سيتمكن البنك من استعادة أمواله التي أقرضها، مع أي نجاح يحققه كل مشروع تم تمويله.
بقي شيء يستحق الوقوف عنده في تصريحات البنك، حيث اعتمد البنك تمويل أكثر من 21 ألف مشروع منذ بداية تمويله للمشاريع وحتى نهاية النصف الأول من عام 2013، بقيمة فاقت 3.2 مليار ريال، ويبقى السؤال المهم الذي نريد أن نعرف إجابته من البنك حتى تطمئن قلوبنا إلى أن هذا الدعم السخي يؤتي ثماره: كم من هذه المشاريع لم يزل قائما؟ كم حجم العمالة السعودية فيها؟ ما اتجاهاتها؟ يجب أن يرسم البنك خريطة استراتيجية لتوجيه التمويل نحو أفضل ما يخدم الإنسان والمجتمع السعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي