الحد من أثر الطلاق على الأبناء
بينت الإحصاءات الصادرة من وزارة العدل العام السابق أن حالات الطلاق في المملكة وصلت إلى ما يزيد على 26 ألف حالة طلاق مقارنة بما يصل إلى 150 ألف حالة زواج أي ما يقارب 18 حالة طلاق لكل 100 حالة زواج.
يلاحظ بعض المتابعين في مثل هذه الحالات، انشغال المطلقيْن بتحميل كل منهما الآخر أكبر خسارة ممكنة، ماديا أو معنويا، وتجاهلهما أثر الطلاق على رعاية أبنائهما ونشأتهم. لذا، يتضح في كثير من المجتمعات أن أكثر المتضررين من الطلاق هم الأطفال. على الرغم من قدرة الأبوين على جعل عملية الطلاق أقل تأثيرا على أبنائهم. مع ذلك، يدخل بعض المطلقين الأطفال في مشكلاتهم، فتجد بعضهم يستخدمون أطفالهم كأداة تجسس لدى الطرف الآخر ويحرضون الأبناء على نقل الأخبار والتفاصيل، أو يعمل كل طرف على توعية الطفل وتكليفه بمسؤولية المطالبة بحقوقه من الطرف الآخر. إضافة إلى ذلك، يعمل بعض الآباء والأمهات على محاولة تشويه صورة الطرف الآخر لدى الأطفال، والتقليل من قيمته مما يشوه صورة الأبوين أو أحدهما في عيون الأبناء ويجرح صورة الأبوة أو الأمومة المثلى. كما قد يحرم أحد الوالدين الآخر رؤية أبنائه عندما تكون الحضانة معه، ولا يتم ذلك إلا بتدخل المحكمة أو عن طريق الشرطة.
بيّن عدد من الدراسات الغربية أن أطفال المطلقين أكثر حاجة إلى المساعدة النفسية بنسبة 35 في المائة من غيرهم، وأن احتمال محاولة الانتحار لديهم تكون ضعف الأطفال الآخرين، وهم أكثر عرضة بأربع مرات للمشكلات مع الأقران والأصدقاء، إضافة إلى كونهم أكثر عدائية من غيرهم. كما يتعرض أطفال المطلقين الذين هم أقل من سن العاشرة إلى عديد من المسائل النفسية مثل زعزعة الثقة والخوف المستمر والقلق على من سيرعاهم ويعتني بهم، والشعور بالغضب الذي يختلف التعبير عنه حسب عمر ونفسية الطفل. يبين ما سبق أثر الطلاق المتعدي على المجتمع ككل وتسببه، في حال عدم التوصل لصيغة محددة في التربية، إلى إنشاء جيل يحمل، وربما يتسبب في العديد من المشكلات.
ينصح المختصون ببعض النصائح التي قد تقلل من أثر الطلاق على الأطفال، مثل مناقشة الوالدين مسألة الطلاق مع الأطفال قبل الانفصال، ومحاولة توفير إجابات لجميع الأسئلة التي قد يسألها الطفل، وتأكيد استمرار حبهما له. كما على الآباء الابتعاد عن الاختلاف على مسمع من الطفل والابتعاد عن انتقاد الطرف الآخر وسؤالهم عن تفاصيل حياة الطرف الآخر بعد زياراتهم له. توجد العديد من الأمور التي ينصح الوالدان بدراستها ومراعاتها حسب عمر الطفل، كما لا يمنع مناقشة طبيب نفسي مختص للتوصل لأسلوب تعامل مع كل طفل.
ربما لا يتفق الزوجان ولا يتمكنان من التوصل إلى حلول، وقد لا يوجد حل لهذا الاختلاف غير الطلاق. على الرغم من ذلك، يجب على الأبوين إيجاد صيغة اتفاق فيما يتعلق بأبنائهم، حيث إن مفتاح عودة أبناء المطلقين إلى نشأتهم الطبيعية، تعتمد بشكل كبير على الدعم المقدم لهم من الآباء وغيرهم من الكبار من حولهم. ومن المهم التأكيد على ألا يشعر الآباء أبناءهم بكبر حجم الاختلاف. ويبعدوهم بأكبر قدر ممكن عن الخلاف القائم بينهما. واتباع قوله تعالى: "ولا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ".
في ظني، أن 26 ألف حالة طلاق في السنة تؤدي إلى ما قد يزيد على مائة ألف طفل من أبناء المطلقين الذين يحتاجون إلى رعاية وإرشاد نفسي وتوجيه، وتدريب لوالديْهم على التعامل الصحيح معهم. وهم مجال خصب للدراسات في الجامعات ومراكز البحوث الاجتماعية وأقسام الرعاية في وزارة الشؤون الاجتماعية. آمل أن يتاح لهذا المجتمع من الأبناء والبنات من يبحث علميا ويصل إلى نتائج تقلل من الأضرار عليهم وعلى المجتمع بشكل عام.