الأيديولوجيا والسياسة

يتحدثون الآن عن عصر ما بعد الأصوليات. الفرضية السابقة هي أن الإسلاميين عاجزون – أيديولوجيا – عن المشاركة النظيفة في اللعبة الديمقراطية.
أميل إلى الاعتقاد بأن الربط بين أيديولوجيا الحاكم وسلوك الحكومة، أمر لا يخلو من مبالغة. يمكن تقدير قابلية هذه الجماعة أو تلك للالتزام بنمط معين في العمل السياسي، انطلاقا من تصورنا لثلاثة عوامل:
1- الثقافة السياسية: وهي خلاصة التجربة التاريخية لهذا البلد. ثمة بلدان لا يتصور قيام الدكتاتورية فيها، حتى لو حصل فريق محدد على القوة المادية التي تمكنه من التسلط. وثمة بلدان على الخط المعاكس، لا يتصور انتقالها إلى ديمقراطية مفتوحة، لأن تجربتها التاريخية قصر على نظام التغلب أو الاستبداد الفردي. فحتى لو تبدل القانون، فإن مؤسسات المجتمع التقليدي ستبقى موجها لحركة السياسة. ذلك أن نتاج التجربة التاريخية أكثر تأثيرا من المتبنيات النظرية، ولا سيما الجديدة منها. وليس ثمة فرق في هذا الجانب بين الإسلامي واليساري والليبرالي.
2- الكفاية الاجتماعية: التي تظهر في طبيعة العلاقة السابقة بين المجتمع والدولة. فكلما كان المجتمع قادرا على حل مشكلاته بنفسه، كانت الديمقراطية أقرب منالا، وأقوى في الصمود أمام طلاب التسلط والاستبداد. أما إذا كان المجتمع معتمدا بالكامل على الدولة، فإن التوازن سيكون راجحا لمصلحة القابضين على أزمتها، وسيكون في وسعهم الانقلاب على الشعب في أي وقت شاؤوا. وهنا أيضا لا تجد فروقا حقيقية بين تيار اجتماعي وآخر، فالإنسان هو الإنسان، ومن مَلكَ استأثر.
3- المشاركة الشعبية: المجتمعات التي يشارك جمهورها بفاعلية في الحياة السياسية، أقدر على تطوير نظام يعتمد الفصل بين السلطات، والمحاسبة والتداول السلمي للسلطة. البلدان التي تنشط فيها منظمات المجتمع المدني. تضطر حكوماتها إلى مراعاة المزاج الشعبي. بخلاف البلدان التي لا يشارك جمهورها في الحياة السياسية بنشاط، فهي تمثل احتمالا أكبر لظهور الميول التسلطية في الجماعات السياسية.
الخريطة السياسية في البلدان العربية متشابهة إلى حد كبير. سترى في جبهة الديمقراطيين تمثيلا لجميع التيارات الفكرية، وترى نظائرها أيضا في الجبهة المعادية للديمقراطية. تجربة التاريخ القريب تعطي أدلة قوية على أن الإسلاميين لم يكونوا أسوأ من غيرهم في ممارسة السلطة. فقد استخدموا الجيش مثل غيرهم. واستخدموا صناديق الاقتراع مثل منافسيهم.
زبدة القول إن الممارسة السياسية لا تعبر عن الأيديولوجيا، إلا بقدر ضئيل يصعب الاستدلال به في الحكم على هذه الأيديولوجيا. ولذا فإن الحكم بعجز الإسلاميين عن التزام قوانين اللعبة السياسية، قابل لأن ينسحب على كل فريق آخر. في كل تيار سياسي، وفي كل مدرسة فكرية، ثمة أنواع من الناس والتوجهات تنتمي لبيئتها، وتتأثر في سلوكها السياسي بمعطياتها. السياسة تصنع في مطبخ البيئة الاجتماعية والتجربة التاريخية، وليس في مدارس النظرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي