تحقيق: مشرحة زينهم في القاهرة.. حزن وفوضى وانتظار
تقف شابة بين اهلها خارج مشرحة في القاهرة. والدتها ترفض ان تصدق بان الجثة المتحللة امامها تعود لابنها، والوالد يؤكد ان الجثة تعود بالفعل لابنه.
يقاطعهم رجل وضع كمامة طبية على ذقنه بالصراخ "ماذا يحدث هنا؟ لماذا لم يتعرف احد على هذه الجثة؟"، ليجيبه اخر بالقول "العائلة لا تستطيع ان تؤكد انه هو. الوالد يؤكد انه هو، لكن الوالدة تقول العكس".
تتقدم الشابة المتشحة بالسواد والمحجبة وهي تحمل صورة شاب بيدها، مؤكدة انها باتت مستعدة لمحاولة التعرف على الجثة.
وتقول "انا الابنة"، ثم تظهر ترددا في النظر الى الجثة المغطاة بشرشف ابيض داخل نعش خشبي تحلق فوقه مجموعة من الذباب يغط بعضها على قطعة من الثلج وضعت فوق الجثة في محاولة لتاخير تحللها.
"هل هناك علامة على عينه؟"، تسال الشابة فيجيبها احد الحاضرين بنعم، واخر بكلا، ليفتح بعد ذلك الشرشف الابيض، ويظهر وجه جثة اسود لونه، لكنه لا يزال يشبه الشاب صاحب الصورة.
تبتعد الشابة المصدومة عن الجثة وتعود لتنضم الى مجموعة من الاشخاص ينتظرون في ساحة تفترشها النفايات، امام مشرحة زينهم التي تفوق اعداد الجثث قدرة استيعابها.
وفي الساحة التي تغطي الوحول ارضها، وتنتشر الاوساخ في زواياها، يستند نعش فارغ الى احد الجدران، قبل ان يسقط فجاة على الارض مطلقا مئات الذباب الى هواء الموقع المفعم برائحة كريهة.
وقتل الاربعاء الماضي نحو 600 شخص في انحاء متفرقة من مصر خلال عملية فض الاعتصامين المناهضين للسلطة والمؤيدين للاسلاميين في رابعة العدوية والنهضة في القاهرة واعمال العنف التي لحقت ذلك.
ورغم مرور خمسة ايام على فض الاعتصامين، بقيت عشرات الجثث التابعة لضحايا عملية فض اعتصام رابعة العدوية خصوصا تنتظر التعرف عليها في المشرحة ووصول افراد من عائلات تسكن في محافظات اخرى.
وتنتشر الجثث في داخل المشرحة، بينما تتوزع جثث اخرى في شاحنتي تبريد.
وكلما فتح احدهم الباب الحديدي البني للمشرحة، تخرج منه رائحة الجثث لتطغى على رائحة البخور الذي توزع في ارجاء الباحة الخارجية في محاولة للتخفيف من حدة وتاثير رائحة الموتى.
ومن بين من ينتظرون في الخارج، اشخاص لا يدركون بعد ان كان افراد عائلاتهم الذين فقدوا في الاحداث الاخيرة هم فعلا بين الجثث الموجودة في داخل المشرحة، او في احدى عربتي تبريد الجثث.
غير ان اخرين تعرفوا على الجثث، الا انهم كانوا لا يزالون ينتظرون تسلمها.
ويقول رجل عجوز وهو يبكي ان ابن صديقه ويدعى رضا (15 عاما) بين القتلى، مضيفا "والده مقعد، ووالدته كانت في رابعة، وقد فقد اثره بعدما ذهب للبحث عنها. لقد تعرض لاطلاق نار وقتل هناك".
وفي مكان قريب، وضعت جثة محمد شعبان سيد عند الباب الخارجي الى جانب قريبه الذي وقف ينتظر، قائلا "لقد قتل في رابعة، والاخر ايضا"، مشيرا الى جثة وضعت الى جانب جثة قريبه.
ولفت الجثتان بشرشفين ابيضين وشريطين طبيين لاصقين، وقد غطت بقع من الدماء اجزاء مختلفة من كفنهما وسالت حتى بلغت الحمالتين اللتين وضعتا عليهما.
ورغم معاناة المشرحة جراء عدم قدرتها على استيعاب المزيد من الجثث، فانها باتت تتلقى يوميا جثثا جديدة، حيث وصلتها الاثنين جثث 37 اسلاميا.
وقتل هؤلاء مساء الاحد خلال محاولة تهريبهم اثناء نقلهم الى سجن شمال القاهرة، وقد اعلنت السلطات انهم قتلوا جراء تنشقهم الغاز المسيل الدموع حين كانت القوات الامنية تحاول منع تهريبهم.
ومن بين قتلى الحادثة عبد العزيز عبد الرحيم (38 عاما)، الذي ينتظر والده استلام جثته خارج مشرحة زينهم.
ويقول الوالد بصوت خافت "البعض يقول انهم ماتوا اختناقا، واخرون يقولون ان الله وحده يعلم".