العقل والعاطفة صراع أم تكامل؟

تشكل العاطفة والعقل ركيزتين أساسيتين في بناء الإنسان، فالإنسان في غرفة نومه وفي مكتبه ومع أهله أو أصدقائه وفي الشارع وفي المطعم يحمل معه العقل والعاطفة. للعقل والعاطفة دور أساس في التأثير في سلوك الإنسان وتصرفاته وتوجيهها سواء وجهة حسنة ومقبولة، أو وجهة سيئة وغير مقبولة. العاطفة تكون حاضرة في مواقف، والعقل يكون حاضراً في مواقف أخرى، وفي مواقف أخرى تتصارع العاطفة والعقل لتكون الغلبة لأحدهما في نهاية المطاف، أو أنهما يشتركان في التأثير في الموقف.
العقل مرتبط في الغالب بالأحكام والاستنتاجات الموضوعية، والبحث عن البراهين والأدلة، لكن لا يمكن القول إن أحكامنا موضوعية دائماً، بل قد نجد تأثيراً لمشاعرنا وأحاسيسنا في أحكامنا وتصرفاتنا. عندما نرى شخصاً يشحذ في الشارع أو المسجد تتحرك المشاعر في البداية، لكن العقل قد يتدخل، إذ قد يقوم بعملية تقويم للفرد في ملبسه ومظهره وصحته ومدى صدقه، وقد يوجه السلوك إما بإعطائه أو الإمساك عن ذلك.
نظن في أحيان كثيرة أننا عقلانيون وموضوعيون، لكن لو تأملنا في هذا الافتراض لوجدنا عدم صحته، إذ قد يكون الحكم متأثراً في المشاعر التي قد يكون لها الأثر الأقوى، فالموقف الذي نتخذه إزاء فرد أو جماعة، أو بلد أو حدث تتعارك في صياغته وتشكيله المشاعر والعقل، فالاتجاهات السلبية التي قد تكون لدينا نحو فرد، أو جماعة قد تحجب عنا الإيجابيات التي توجد لدى الفرد أو الجماعة، وكذلك الاتجاهات الإيجابية، أي حالة الحب لفرد، أو جماعة قد تخفي السلبيات، وتجعلنا في حالة إنكار لها، وينطبق على هذه الحالة قول الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة
وعين السخط تبدي المساويا

مع الأحداث التي تراكمت على أمتنا خلال هذه الفترة سنحت لي الفرصة لمتابعة من يتحدث، ويحلل هذه الأحداث، واكتشفت أن البعض من المحللين يفتقد الموضوعية، ويقع تحت ضغط مشاعره وعواطفه واتجاهاته السلبية المتأثرة بمصالحه الشخصية أو الفئوية، حيث ينكر الأسباب والنتائج ولا يربط بين الأثر والمؤثر، بل يختزل الموقف اختزالاً مخزياً يكشف تحييد العقل واستبعاده من تشكيل الرؤية، أو ما قد يسمى تحليلاً.
كم أسفت وأنا أقرأ أو أستمع لبعض الأكاديميين، الذين يفترض أن يكون العقل أرجح في تحليلاتهم، لكن هم أبعد ما يكونون عن ذلك، بل وقعوا تحت تأثير مشاعرهم، وهم بمثل هذا الفعل يضللون الرأي العام، خاصة محدودي التعليم والثقافة الذين قد يصدقون ما يقوله هذا الأكاديمي لا لصحة ووجاهة ما يقول، بل على اعتبار أنه أستاذ جامعي يتبع منهجاً في التحليل ويلم بالنظريات والقواعد، كما أن هذا الفعل الذي يرجح المشاعر، ويعتمد عليها خيانة للعلم الذي ينتسبون إليه، وخيانة للأمة التي يفترض أن تعرف الحقيقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي