مصر في قلب عبد الله
جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله لتدق ناقوس الخطر, وتنبه الجميع لما يحاك ضد الشقيقة الكبرى من مكائد تبنى على الاختلاف الذي يعيشه الشارع المصري. هذه الكلمة التي لم تصرح بالكثير من المعلومات التي يعلمها الملك, ويحيط بدقائقها أكثر من غيره, لا بد أن تنبه كل القوى الناشطة في المجال السياسي إلى أن المكاسب الآنية لن تحقق لمصر وشعبها الاطمئنان والسكينة والأمن.
يخطئ من يعتقد أن المشكلة تنحصر في خلاف سياسي, فهي لم تعد كذلك. لقد بدأت قوى خطيرة في استغلال الشقاق الحاصل والاختلاف الذي سيطر على القوى السياسية في مصر لتحوله إلى معبر لشق الصف وزيادة الفرقة والاختلاف وبالتالي التوجه بالدولة نحو الوهن والضعف والفشل.
لقد كان في كلمة الملك تلميح إلى أن هناك أيادي خفية تعمل في الظلام مستغلة ثقة الناس بها, لتهدد أمن الناس وتنشر الخوف والجريمة والفتنة بين مكونات الشعب المصري. هذه الأيادي لن تقطعها وتمنع شرورها سوى الوحدة الوطنية والتماسك بين مختلف الفئات والطوائف والانتماءات السياسية. هنا يتأكد دور التنازلات التي لا بد منها من كل القوى السياسية والمجتمعية والدينية لحفظ مصر العملاقة التي لا يمكن أن نرضى أن تسقط هكذا ضحية للشر وقواه الخفية كما سقطت غيرها من دول العالم العربي.
فلينظر الشعب المصري إلى الدول العربية القريبة منه وكيف أنها أصبحت ضحية التفجيرات والهجمات الإرهابية والتهديد المستمر باستخدام القوة, بل استخدامها ضد الشعوب المسكينة التي أصبحت رهينة للمناورات والمنازلات التي يخوضها سياسيون فاسدون لا يأبهون بتماسك الأوطان وسلامة أبنائه.
يأتي اليوم الذي يصبح فيه الحق أكثر ضبابية من أي وقت مضى. يأتي اليوم الذي تواجه فيه شقيقتنا الكبرى حالة من عدم الاستقرار التي هي من نذر الخطر. إن انعدام الثقة بين مكونات الشعب, والبدء بالاصطفاف تبعاً لاعتبارات لا تضع الوطن وسلامته في المقدمة, وتبادل الاتهامات بين أبناء الوطن الواحد, وكثرة إطلاق عبارات التخوين والتفسيق والادعاء بالباطل بين أبناء الوطن الواحد هي من العلامات التي لا بد أن يتنبه لها الجميع.
تلكم يا أبناء مصر هي علامات الفتنة. الفتنة التي لم تكن لتصل إلى مصر لولا أيادٍ فاسدة ونوايا خبيثة لا تريد لمصر وشعبها الخير. كما أنها تدق الباب بقوة, وفي مصر الحضارة والعروبة والإسلام، من العقلاء والعلماء والنوابغ من يستطيعون أن يكشفوا هذه الفتنة ويحموا الوطن منها.
لم تعد الأمور بالوضوح الذي يسمح لأي منا بالحكم على فئة دون أخرى. ليس هناك من يستطيع أن يفند من مع مصر ومن ضد مصر. ولن يستريح الشعب المصري حتى يتوجه الجميع إلى وأد الفتنة من خلال التنازل عن حقوقه في سبيل الوطن, في سبيل مستقبل مصر وشعب مصر, في سبيل غد أفضل ينبض بالحياة ويعيد لمصر مكانتها وقيمتها التي يهددها اليوم من يظن أنه على حق ومستعد للسير إلى النهاية في سبيل إثبات هذا الحق.
الأمن وسلامة الوطن وحمايته من كل الشرور هو الهدف الأول والأزلي, الذي يجب أن نعتمده ونلغي كل ما سواه مهما كنا محقين ومصيبين, فالتاريخ يعلمنا أنه لم ينجُ من نار الفتنة سوى الفئات التي اعتزلتها وابتعدت عن التفسيرات والمنطقة في وقت تلفه الضبابية. إن أعداء مصر بالمرصاد فلا يتركَنّ أبناء مصر لهؤلاء الأعداء الفرصة لتدمير مصر التي كانت على مدى التاريخ ملتقى الحضارات وموطن كل الأديان وكل الفئات والتي أثْرت التاريخ بعلومها ورسوخها.
فلك يا خادم الحرمين الشكر على الكلمة التاريخية المهمة, ولمصر منا جميعاً الحب وخالص الدعاء بأن يحفظها الرحمن ويديم عليها الأمن والأمان.