فك شفرة برنانكي

منذ الشهادة التي أدلى بها في الـ 22 من أيار (مايو) أمام الكونجرس الأمريكي، ظل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي يجاهد من أجل إيصال رسالة واضحة حول مستقبل سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. والواقع أن المشاركين في الأسواق المالية ما زالوا رغم مرور شهرين متحيرين حول المغزى من رسالته في ما يتصل باتجاه السياسة النقدية وأسعار فائدة السوق في الولايات المتحدة.
كانت البيانات الرسمية التي صرح بها برنانكي حول السياستين غير التقليديتين اللتين انتهجهما بنك الاحتياطي الفيدرالي واضحة. فأولاً: يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي إعطاء توجيهات محددة بشأن مسار سعر الفائدة في المستقبل على الأموال الفيدرالية (معدل الليلة الواحدة الذي تتم وفقاً له القروض بين البنوك التجارية). وثانياً: يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الظروف التي ستجعله يبدأ في خفض برنامج مشترياته الشهرية الهائلة من السندات وإنهائه في نهاية المطاف. وقد أكَّد برنانكي على أن هاتين السياستين تتخذان مسارين منفصلين وستستجيب كل منهما لمؤشرات مختلفة للأداء الاقتصادي.
وقد وافقت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، التي تتألف من محافظي مجلس الاحتياطي الفيدرالي ورؤساء بنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية، على أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيظل عند مستواه الحالي القريب من الصفر إلى أن ينخفض معدل البطالة إلى 6.5 في المائة ويصبح من المتوقع أن يظل هناك أو حتى ينخفض إلى مستويات أدنى. وبما أن معدل البطالة الآن 7.6 في المائة ويتراجع ببطء، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يكون على استعداد لزيادة سعر الفائدة على الأموال الاتحادية قبل عام 2015.
ولكن هناك من المحاذير ما يضفي على هذه التوجيهات بعض الغموض - وهي بالتالي لا تأتي بجديد. فبنك الاحتياطي الفيدرالي يحذر من أنه قد يزيد سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إذا ارتفع معدل التضخم السنوي المتوقع عن مستواه الحالي الذي يقل قليلاً عن 2 في المائة إلى أكثر من 2.5 في المائة. ولكن لا يوجد على الرغم من ذلك ما يشير إلى الكيفية التي سيتم بها تحديد ''معدل التضخم المتوقع في المستقبل''. لذا فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يقرر من حيث المبدأ زيادة سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية حتى قبل أن ينخفض معدل البطالة إلى 6.5 في المائة.
ويدرك بنك الاحتياطي الفيدرالي فضلاً عن ذلك أن جزءاً كبيراً من الانخفاض في معدل البطالة في العام الماضي يعكس عدداً كبيراً من الناس الذين توقفوا عن البحث عن عمل (والذين لم يعد من الممكن نظراً لهذا اعتبارهم من العاطلين عن العمل). وعلى هذا، فإذا اعتبرنا أن معدل البطالة انخفض إلى ما دون 6.5 في المائة بسبب التراجع المستمر لمستويات المشاركة في قوة العمل، أو لأن الشركات تعمل على زيادة عدد النسب من العاملين بدوام جزئي (وهو ما يعني ضمناً عدم حدوث أي زيادة في العدد الكلي لساعات العمل الفعلي)، فقد لا يكون بوسع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية.
وليس من المستغرب نتيجة لهذا أن ترتبك السوق بشأن المسار المحتمل لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية على مدى العامين المقبلين. وهذا أمر مهم، لأن أي زيادة في سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية ستؤدي أيضاً إلى ارتفاع أسعار الفائدة الأخرى الأطول أجلاً بعض الشيء.
وقد برر برنانكي موقفه قائلاً: إن المقصود من التيسير الكمي ''يتخلص في الأساس في زيادة الزخم الاقتصادي في الأمد القريب''، مشيراً إلى أن الزخم الأقوى يبرر تقليص المشتريات من الأصول. ولكن الواقع هو أن الزخم الاقتصادي في الأمد القريب كان في تراجع بالفعل منذ بداية التيسير الكمي - وقد تراجع بسرعة أكبر مع نمو حجم البرنامج.
فأولا، يشير الافتقار إلى الارتباط بين التيسير الكمي ونمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أن وتيرة شراء الأصول قد تنخفض من دون إبطاء وتيرة النمو. وهذا صحيح على الرغم أن أسعار الفائدة، على النقيض من افتراض برنانكي وبعض أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، سترتفع مع انخفاض وتيرة المشتريات.
وثانياً، إذا أعقب الضعف الشديد في الربع الثاني العودة إلى معدل نمو متباطئ بنحو 2 في المائة تقريباً في الربع الثالث، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يعلن أنه يراقب ارتفاع النمو الذي ذكر من قبل أنه ضروري لتبرير بداية الخفض التدريجي للمشتريات.
لقد أصبح الضرر المترتب على سياسة أسعار الفائدة الطويلة الشديدة الانخفاض أكبر من نفعه، من خلال دفع المقرضين والمستثمرين إلى خوض مجازفات غير مناسبة من أجل تحقيق عائدات أعلى. وينبغي لبرنانكي وأعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أن يدركوا هذا وأن يعملوا على إنهاء برنامج شراء السندات تدريجياً خلال الأشهر الـ 12 المقبلة. وبوسعهم أن ينسبوا إلى أنفسهم الفضل فيما حققه التيسير الكمي من دون رهن إنهائه بأداء الاقتصاد في المستقبل.
ومن الجدير بالذكر هنا أن برنانكي سوف يتنحى في بداية عام 2014. والواقع أنه قام بوظيفة رائعة في التعامل مع الأسواق المالية المختلة أثناء سنوات الأزمة (2008-2009). وعندما بدأت الأسواق المالية تعمل من جديد، ولكن الاقتصاد كان لا يزال ينمو بوتيرة أبطأ كثيراً، لجأ برنانكي إلى السياسات النقدية التقليدية من أجل خفض أسعار الفائدة الطويلة الأجل والتعجيل بتعافي سوق الإسكان. لذا فبرغم أن الاقتصاد الآن أضعف مما كان برنانكي أو أي شخص آخر ليود، فإنه ربما يرغب في إتمام تراث سياساته من خلال البدء في الخروج من السياسات غير التقليدية قبل أن يترك مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي