مسجد العباس في الطائف يقترب من ألفيته الأولى
يعتبر مسجد عبد الله بن عباس من أشهر المساجد في مدينة الطائف، الذي تم بناؤه عام 592هـ في عهد الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء العباسي.
وكان ابن عباس دائم التنقل بين الشام والمدينة المنورة والطائف لنشر العلوم الدينية بين الناس وكان يحب مدينة الطائف حباً شديداُ لقربها من مكة المكرمة، وأقام بها حتى مات سنة 68هـ، وبني بعد ذلك المسجد حوله وسمي باسمه، تيمناً بالصحابي الجليل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما.
ويقع بجوار قبر ترجمان القرآن، قبر الإمام محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، الأخ غير الشقيق للحسن والحسين، وهناك بعض الروايات التي تؤكد أن هناك قبراً ثالثاً لعبد الله بن رسول الله، الذي دفن هو الآخر هناك.
#2#
ومن الجهة الشرقية للمسجد، يقع قبر الشهداء وهو ذو مساحة صغيرة جدا. وشهدت مدينة الطائف قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى في عام الحزن في العام العاشر من البعثة، والأخرى في العام الثامن من الهجرة، مع بعض أصحابه رضوان الله عنهم أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهم لفتح الطائف ودعوة بني ثقيف للدخول إلى الإسلام بعد غزوة حنين.
واختار رسول الله أرضا بيضاء قاحلة تقع في قلب الطائف (حاليا هي موقع المسجد) لتكون مواجهة لسدود بني ثقيف، وبدأت المعركة بدق المنجنيق الذي وقف أمامه السور دون أن يحركه حتى انهالت على المسلمين النبال، والتي أدت إلى استشهاد 11 صحابياً تم دفنهم في تلك البقعة التي وقفوا عليها وتسمى حاليا مقبرة الشهداء وتقع بجوار المسجد.
وكان المسجد قديما في عهد الأشراف، حكام الحجاز سابقاً، صغير المساحة مبنيا كغيره من المباني بالحجارة، وأرضه تراب وعليه مئذنة عثمانية الزخرفة، وجددت عمارة المسجد في العهد العثماني مرات عديدة، وتم بناؤه بالمسلح الحديث في العهد السعودي، الأول في عهد الملك سعود والذي قام بتوسعته وتجديده مناسباً لزخرفة العصر الحديث، والتوسعة الأخيرة والتي هي عليه حالياً كانت مطلع عهد الملك فيصل وبلغت مساحة المسجد ما يقارب 15 ألف متر مربع.
وكان المسجد يؤدي دوره في حلقات التدريس وعلوم القرآن والحديث والفقه منذ القدم، حيث ضم حلقات تحفيظ القرآن وقبلها مجالس الكتاتيب لتعليم الصغار مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وكانوا يفترشون الأرض بالحنابل أو سعف النخيل.
ومن أبرز تلك الكتاتيب المجاورة للمسجد كان كتّاب الشيخ محمد صالح الخادم إمام وخطيب المسجد، والشيخ عبد القادر الخادم، والشيخ صالح قطان، إضافة إلى أن مؤرخ الطائف العلامة أحمد الميروقي كان يدرس ويتلقى تعليمه في المسجد سنة 644هـ على يد العالم تقي الدين المهدوي القرشي وغيره.
وبنيت بجوار المسجد منازل ودور سكن ودكاكين مما أدى إلى إنشاء الأزقة والبرحات من حوله؛ ومن أشهرها برحة العباس التي صارت مكاناً مهماً للتبادل التجاري والثقافي.
وهناك العديد من نفحات تلك الذكريات الطائفية حيث كان في عيد الفطر تعرض جميع الدكاكين أنواعا من المواد الغذائية، ولعب الأطفال والزينة، وكانت هناك بسطات لبيع المأكولات الشعبية، وتخصص أماكن لألعاب الصغار كالمراجيح، وهناك من كان يقوم بتأجير الخيل والحمير في الأعياد.
وكان أئمة المسجد يحرصون في شهر رمضان على صلاة التراويح والقيام وختم القرآن ـ ما زال إلى اليوم ـ ويحرص أئمته على ختم القرآن في العشر الأواخر من شهر رمضان، ويشهد المسجد في هذه الليلة ازدحاما شديدا على الرغم من مساحته الواسعة.